للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَكْفُرُونَ أنتم بالله حينئذ وتسترون شروق شمس ذاته بغيوم هوياتكم الباطلة جهلا وعنادا بل تشركون له في الألوهية وتعبدون لغيره كعبادته سبحانه وبعد ما سمعوا من النداء الهائل المهول

قالُوا بألسنة استعداداتهم متحسرين متضرعين رَبَّنا يا من ربانا على فطرة معرفتك وتوحيدك فكفرنا بك وأشركنا معك غيرك وقد ظهر لنا اليوم حقية ما ورد علينا من قبل لكن بعد ما قد أَمَتَّنَا وافيتنا في هويتك اثْنَتَيْنِ مرة في النشأة الاولى بانقضاء الأجل المقدر من عندك ومرة في النشأة الاخرى بعد النفخة الاولى وَكذا قد أَحْيَيْتَنَا وابقيتنا ببقائك مرتين اثْنَتَيْنِ مرة عند حشرنا من أجداث طبائعنا ومرة بعد النفخة الثانية للعرض والجزاء وبعد ما قد لاح علينا من دلائل توحيدك وكمال قدرتك وقوتك ما لاح فَاعْتَرَفْنا الآن بِذُنُوبِنا التي قد صدرت عنا من غاية غفلتنا ونهاية جهلنا بك وبقدرتك ووحدة ذاتك واستقلالك في عموم آثارك الصادرة عنك بالإرادة والاختيار وبالجملة قد صدر عنا ما صدر وقد وقع ما وقع فَهَلْ يبقى لنا اليوم مجال إِلى خُرُوجٍ مِنْ عذابك الذي أعددت لنا في سابق قضائك بمقتضى عدلك حسب جرائمنا وآثامنا من سَبِيلٍ موصل الى الخلاص والنجاة منه ثم بعد ما تضرعوا من شدة هولهم وفظاعة أمرهم ما تضرعوا نودوا من وراء سرادقات القهر والجلال

ذلِكُمْ اى العذاب الذي أنتم فيه اليوم ايها الضالون بِأَنَّهُ اى بسبب انه إِذا دُعِيَ وذكر اللَّهُ المتعزز برداء العظمة والكبرياء عندكم وَحْدَهُ اى على صرافة وحدته واستغنائه عن العالم وما فيه قد كَفَرْتُمْ به وانكرتم وجوده وبكمال أوصافه وأسمائه الذاتية وكذبتم رسله المبعوثين إليكم للتبليغ والتبيين وَقد كنتم أنتم من شدة بغيكم وعنادكم إِنْ يُشْرَكْ بِهِ ويثبت له شركاء دونه ظلما وزورا تُؤْمِنُوا وتقروا البتة بالشركاء وتعتقدوا وجودها وتصدقوا من تفوه بها فَالْحُكْمُ المحكم والقضاء المحتم المبرم اليوم ثابت لِلَّهِ المنزه ذاته عن ان يتردد في وحدته فكيف ان يشرك به الْعَلِيِّ الغنى شأنه عن ايمان المؤمن وكفر الكافر الْكَبِيرِ المتعالي وحدة ذاته عن ان يحوم حوله اقدام الإقرار والإنكار وكيف تنكرون سبحانه وتشركون معه غيره ايها المفسدون المفرطون مع انه سبحانه

هُوَ الله الكامل في الألوهية والربوبية الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على وحدة ذاته وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ اى سماء الأسماء المربية لأشباحكم من لدنه رِزْقاً صوريا ومعنويا تتميما لتربيتكم وتكميلكم وَما يَتَذَكَّرُ ويتعظ منكم بآياته إِلَّا مَنْ يُنِيبُ اليه ويرجع نحوه طالبا الترقي من حضيض التقليد والتخمين الى ذروة التحقيق واليقين وإذ سمعتم كمال تربيته وتكميله سبحانه

فَادْعُوا اللَّهَ الواحد الأحد الفرد الصمد وتوجهوا نحوه واعبدوه حق عبادته ايها المكلفون بمعرفته وتوحيده حال كونكم مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى حاصرين مخصصين له الإطاعة والانقياد بلا رؤية الوسائل والأسباب العادية في البين وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ المكابرون إطاعتكم إياه ورجوعكم اليه هذا على وجه الإخلاص والاختصاص وكيف لا يدعون ولا يعبدون له سبحانه مع انه هو في ذاته

رَفِيعُ الدَّرَجاتِ يعنى درجات قربه ووصوله رفيعة وساحة عز حضوره منيعة لا يسع لكل قاصد ان يحوم حولها الا بتوفيق منه سبحانه وجذب من جانبه ذُو الْعَرْشِ العظيم إذ لا ينحصر مقر استيلائه وظهوره بمظهر دون مظهر ومجلى دون مجلى بل له مجالي ما شاء الله وكيف لا وهو سبحانه بمقتضى تجليه الجمالي يُلْقِي الرُّوحَ على وجه الامانة ويمد ظلال أوصافه

<<  <  ج: ص:  >  >>