للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيامها أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فجاءة بلا سبق مقدمة وامارة وَهُمْ من غاية اشتغالهم بالملاهي الدنيوية لا يَشْعُرُونَ إتيانها الا وقت وقوعهم في أهوالها

الْأَخِلَّاءُ والأحباء يَوْمَئِذٍ من شدة الهول والفزع بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إذ يتذكرون حينئذ ما جرى بينهم من المعاونة والمشاركة في الاعراض عن الله وكتبه ورسله وعدم الانقياد والإطاعة للدين إِلَّا الْمُتَّقِينَ اى الا الأحباء الذين تحابوا في الله وتشاركوا في طريق توحيده سبحانه مع خلص عباده الذين اتقوا عن محارمه طلبا لمرضاته ثم التفت سبحانه الى الخطاب لخلص عباده فقال مناديا لهم على رؤس الاشهاد

يا عِبادِ ناداهم سبحانه وأضافهم الى نفسه اختصاصا لهم وتكريما لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ لخوفكم عن مقتضى قهرنا وجلالنا في النشأة الاولى وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ اليوم لتصبركم على الشدائد ومقاساة الأحزان في طريق الايمان في دار الابتلاء وهؤلاء البررة المبشرون هم

الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا المنزلة على رسلنا وامتثلوا بمقتضاها وَبالجملة قد كانُوا مُسْلِمِينَ منقادين مطيعين مفوضين أمورهم كلها الى الله راضين بعموم ما قضى عليهم وكتب لهم من المنح والمحن لذلك نودوا حينئذ من قبل الحق على سبيل البشارة والكرامة

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ المعدة لخلص أوليائنا الذين قد اتخذونا وكيلا واخذونا رقيبا وكفيلا أَنْتُمْ اصالة وَأَزْواجُكُمْ اى نساؤكم المؤمنات المتوكلات الراضيات المرضيات بما قسم لهن المجتنبات عن محارم الله تبعا لكم حال كونكم تُحْبَرُونَ تبتهجون وتسرون فيها على وجه يظهر اثر البهجة والمسرة على وجوهكم ويلوح من سيماكم وبعد ما تقرروا في مقام العز والتكريم وتمكنوا في مكان التبجيل والتعظيم

يُطافُ عَلَيْهِمْ اى يطوف حولهم خدمة الجنة بِصِحافٍ جمع صحفة وهي القصعة الكبيرة المتخذة مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ جمع كوب وهو الكوز الذي لا عروة له ايضا متخذة منه وَبالجملة لهم فِيها اى في الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ من اللذات والشهوات المدركة بآلاتها وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ اى من المحسوسات التي استحسنتها العيون فيها واستلذذن بها وَبالجملة أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون لا تتحولون منها ابد الآبدين

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أنتم تفوزون بها قد أُورِثْتُمُوها أنتم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الأعمال المصورة بها الناتجة لها المأمورة لأجلها وبالجملة

لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ من المستلذات الروحانية والجسمانية مِنْها تَأْكُلُونَ ومنها تتفكهون وتتلذذون جزاء بما كنتم تعملون. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته السنية المستمرة

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ المنهمكين في بحر الجرائم والمعاصي فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ على عكس خلود اصحاب الجنة في الجنة بحيث

لا يُفَتَّرُ ولا يخفف عَنْهُمْ من عذابها بل وَهُمْ فِيهِ اى في العذاب الدائم المستمر مُبْلِسُونَ آيسون من الخلاص والنجاة

وَبالجملة ما ظَلَمْناهُمْ بانزال العذاب عليهم واستمراره وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أنفسهم المقصورين على الخروج والعدوان عن مقتضى الحدود الموضوعة فيهم لتحفظهم من العذاب والنكال

وَمن شدة العذاب وقلة التصبر وفرط الفزع والجزع نادَوْا صارخين صائحين يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ اى سل ربك ان يقضى علينا بالمقت والهلاك إذ لا طاقة لنا اليوم بالعذاب وهوله وشدته ثم لما بثوا شكواهم هكذا مرارا وصاحوا صارخين فزعين تكرارا قالَ قائل مجيبا لهم من قبل الحق على سبيل الاستبعاد والتأبيد هيهات هيهات إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لا نجاة لكم عنها لا بالموت ولا بالخلاص والتخفيف بل كلما نضجت جلودكم بدلنا لكم جلودا غيرها وعذبناكم باشد العذاب وكيف لا نعذبكم

<<  <  ج: ص:  >  >>