للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغرور جَمِيعاً أصلا وفرعا صديقا وعدوا وبعد هبوطكم إليها بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في امور معاشكم والشيطان عدو لكم يعوقكم ويغويكم عن امر المعاد فتبقى هذه العداوة بينكم ما دمتم فيها ومع أمرنا لكم بالهبوط والخروج منها إليها لا نترككم هناك يا بنى آدم ضالين محرومين مطرودين فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً بواسطة الرسل والكتب المنزلة عليكم فاتبعوا هداي فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ عزيمة صادقة وقصدا صحيحا خالصا فاهتدى البتة فَلا يَضِلُّ لا في النشأة الاولى وان كان فيها لاتصافه بصفاتنا الفاضلة وتخلقه باخلاقنا الكاملة وَلا يَشْقى ايضا في النشأة الاخرى لفنائه فينا وبقائه ببقائنا

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي وانصرف عن مقتضى اوامرى المذكورة في كتبي المنزلة على رسلي الهادين له عن الضلال فَإِنَّ لَهُ اى قد حق وثبت له ما دام في دار الدنيا مَعِيشَةً ضَنْكاً ضيقا يضيق قلبه وصدره بحيث لا يسع فيه غير التفكر والتدبر في امر المعاش وَإذا خرج منها نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الكبرى أَعْمى اى يصور اعراضه عن الحق في الدنيا وإقباله عليها على صورة العمى في الاخرى

حيث قالَ متحسرا ومتحزنا من غاية الضجرة والكآبة يا رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى ضريرا في النشأة الاخرى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قريرا في النشأة الاولى

قالَ سبحانه توبيخا عليه وتقريعا كَذلِكَ اى مثل ذلك قد فعلت أنت بنا ايها المغتر المسرف حين أَتَتْكَ بالسنة الأنبياء آياتُنا لهدايتك وإصلاح حالك فَنَسِيتَها أنت ونبذتها وراء ظهرك بحيث كانت نسبتك إليها كنسبة الأعمى الى عموم الأشياء المحسوسة وَكَذلِكَ اى مثل المنبوذ وراء الظهر الْيَوْمَ تُنْسى أنت في جهنم البعد والحرمان وجحيم الطرد والخذلان

وَكَذلِكَ اى مثل نسيان من اعرض عنا في العذاب المؤبد نَجْزِي ونترك منسيا في جهنم البعد والخذلان مَنْ أَسْرَفَ وأفرط في الاعراض عن الله ورسله سيما بمتابعة العقل الفضول المشوب بالوهم المرذول وبمقتضى اعتباراته ومضى عليها كذلك زمانا وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ النازلة على أنبيائه ورسله ولم يتنبه بمرموزاتها ومكنوناتها ولم يتفطن بما فيها من المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات وَالله وان احتمل الشدائد وارتكب المتاعب في تحصيل تلك الاعتبارات والاعتباريات لَعَذابُ الْآخِرَةِ في شأنه لاشتغاله بغير الله واعراضه عن آياته أَشَدُّ من شدائد ذلك التحصيل وَأَبْقى وأدوم وباله من النخوة المترتبة عليها الجالبة لغضب الله

أَتنكر القريش بآياتنا ونصر على إنكارها ولم تذكر عذابنا لمنكري آياتنا فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ولم يرشدهم ويذكرهم إهلاكنا الأمم السالفة بسبب انكار الآيات وتكذيب الرسل ولم يذكروا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ اى من اهل القرون الماضية حين يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ أمثال هؤلاء أصحاء سالمين فجاءهم بأسنا بياتا او نهارا فجعلناهم هالكين فانين كأن لم يكونوا موجودين أصلا لاعراضهم عنا وتكذيبهم آياتنا ورسلنا وبالجملة إِنَّ فِي ذلِكَ الإهلاك والاستئصال لَآياتٍ دلائل ظاهرة على قدرتنا بالانتقام على المعرضين المكذبين لكتبنا ورسلنا لكن لا يحصل تلك الدلائل والمدلولات الا لِأُولِي النُّهى اى لأصحاب العقول المنتهية من مقتضيات عقولهم الى الكشف والشهود

وَبالجملة لَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل في حق أمتك بدعائك لهم بارتفاع العذاب عنهم في دار الدنيا مثل المسخ والخسف والكسف وغير ذلك مما أهلكنا بها الأمم الماضية لَكانَ عذاب المنافقين من أمتك اليوم لِزاماً حتما مقضيا لازما مبرما محكما لظهور أسبابه وصدورها منهم وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>