للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ خَلَقْتُ اى مع شخص قد خلقته وَحِيداً فريدا من اهل عصره مفروزا منهم بكثرة الأموال والأولاد وبالجاه والثروة والسيادة والرياسة الى حيث لقب بين قومه بريحانة قريش يعنى وليد بن المغيرة

وَجَعَلْتُ لَهُ توسيعا عليه افتتانا له وابتلاء مالًا مَمْدُوداً كثيرا وافرا متزايدا يوما فيوما بالتجارة والنتاج والزراعة وغير ذلك من صور الأرباح

وَبَنِينَ شُهُوداً حضورا معه دائما لا ينفصلون عنه زمانا لاستغنائهم عن التجارة والحراثة وسائر الأعمال والمصالح لكثرة خدمهم وحشمهم بحيث لا احتياج في تهيئة الأسباب الى ترددهم بأنفسهم لذلك يحضرون معه في عموم المحافل والمجالس والأندية تكميلا لثروته ووجاهته

وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً اى قد جعلت له بسطة واستيلاء بحيث يتحسر من حاله جميع بطون العرب وافخاذه ومع تلك الوجاهة العظمى والكرامة الكبرى الموهوبة له من لدنى لم يشكر لى ولم يرجع الى قط

ثُمَّ يَطْمَعُ ويرجو منى أَنْ أَزِيدَ على ما آتيته وأعطيته من النعم العظام مع انه مصر على الكفر والكفران وانواع الفسوق والعصيان

كَلَّا اى كيف أزيد عليه مع ان كفرانه وطغيانه يوجب زوال ما اعطى له وكيف لا يوجبه إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا الدالة على كمال عظمتنا واقتدارنا على انواع الانعام والانتقام عَنِيداً معاندا منكرا وعناده هذا امارة زوال ماله وثروته وجاهه وبالجملة

سَأُرْهِقُهُ اى سأغشيه وأكلفه بالعنف في النشأة الاخرى صَعُوداً هي عقبة شاقة المصعد والمهوى فاكلفه بالزجر التام على الصعود والهبوط دائما بحيث لا نجاة له منها ابدا. وعنه عليه السلام الصعود جبل من نار يصعد فيه اهل النار سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك ابدا وهو مثل لما يلقى من الشدائد وكيف لا أكلفه بصعود الصعود وهبوطه

إِنَّهُ من شدة شكيمته وخباثة طينته قد فَكَّرَ في آيات القرآن على وجه التدبر فلم يجد فيه قدحا وطعنا وَبعد ما لم يجد فيه مطعنا قَدَّرَ في نفسه بمقتضى خباثته ما يتفوه به ويقول فيه على سبيل القدح والطعن. ثم قال سبحانه على سبيل التعجب من افكه وتقديره

فَقُتِلَ اى لعن وطرد هذا الطاغي الباغي المتناهي في البغي والطغيان كَيْفَ قَدَّرَ للقرآن قدحا مع انه منزه عن القدح مطلقا

ثُمَّ قُتِلَ وطرد ذلك المعاند الطاغي كَيْفَ قَدَّرَ للقرآن ما هو بعيد عن شأن القرآن بمراحل كرره سبحانه مبالغة في التعجب والاستبعاد

ثُمَّ نَظَرَ كرة بعد اولى ومرة بعد اخرى في القرآن

ثُمَّ لما لم يجد فيه طعنا مع انه من ارباب اللسان والفصاحة والبيان والبلاغة عَبَسَ اى قطب وجهه وكلح واستكره منه استكراها شديدا وَبَسَرَ اهتم وبالغ في وجدان القدح اهتماما بليغا ومبالغة بليغة فلم يجد وأيس ملوما مخذولا

ثُمَّ بعد ما تدبر ذلك مرارا وفكر هكذا تكرارا فلم يجد ما يتمسك به وما يقدح فيه بسببه أَدْبَرَ عن الايمان به وعن تصديقه بعد ما اشرف على الإقبال بالإيمان به وقبوله وَبالجملة ما حمله على الأدبار الا انه قد اسْتَكْبَرَ واستحيا عن اتباعه

فَقالَ بعد اللتيا والتي إِنْ هذا اى ما هذا القرآن إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ اى يروى ويتعلم

إِنْ هذا وما هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ما هو من الوحى وكلام الله كما ادعاه محمد مفتريا على الله. روى انه مر الوليد بن المغيرة بالنبي عليه السلام وهو يقرأ حم السجدة فسمعه بسمع الرضا متدبرا في أسلوبه ونظمه ثم اتى قومه فقال لقد سمعت من محمد آنفا كلاما والله ما هو من جنس كلام الانس والجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعاليه لمثمرة وان اسافله لمغدقة وانه يعلو ولا يعلى عليه ثم خرج فقال قريش والله قد صبأ الوليد ولتصبأن قريش كلهم فقال ابن أخيه ابو جهل انا أكفيكموه فجلس

<<  <  ج: ص:  >  >>