للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث يستوعب ويحيط بجميع القوى والآلات حوائج المعاش وأسبابه فاشتغل عن الله بسبب ذلك وترك امر معاده ايضا بواسطته فأخذ في كسب الأموال وجمع الحطام والآثام المبعدة عن الحكيم العلام فصار من غاية استغراقه بالدنيا قد نسى العقبى وزلت نعله عن طريق المولى لذلك كذب وتولى واستكبر واستولى واستظهر بأمواله وأولاده واستعلى وترقى امره في الغفلة والغرور الى ان طغى على الله وبغى على عباده وظن انه لا يغلب ولا يعلى عليه. كما قال سبحانه مقرعا عليه مسفها له مستفهما

أَيَحْسَبُ الإنسان المجبول على الكفران والنسيان أَنْ لَنْ يَقْدِرَ اى انه لن يستطيع عَلَيْهِ أَحَدٌ فينتقم منه او يأخذه على ما صدر عنه من العتو والعناد ومن كمال بطره وغروره ومفاخرته على بنى نوعه

يَقُولُ على سبيل الرعونة والخيلاء والسمعة والرياء قد أَهْلَكْتُ وأنفقت في سبيل الله مالًا لُبَداً مالا كثيرا ملبدا منضدا مجتمعا متراكما

أَيَحْسَبُ ويعتقد ذلك الأحمق المباهي أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ اى انه لم يعلم الله إنفاقه ونيته فيه واعتقاده عليه وإبطاله بالمن والأذى كيف يتأتى له انكار اطلاعنا عليه وعلى ما صدر عنه

أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ ولم نظهر في جسده حين صورناه حسب حولنا وقوتنا وكمال قدرتنا عَيْنَيْنِ ليبصر بهما عجائب صنعتنا وغرائب حكمتنا

وَايضا ألم نجعل له لِساناً ليعرب ويترجم به عموم ما يدور في خلده وَشَفَتَيْنِ معينين على التكلم والاعراب على وجه الإفصاح والتوضيح

وَبالجملة قد هَدَيْناهُ بإعطاء هذه النعم العظام النَّجْدَيْنِ اى طريقي الخير والشر والهداية والضلالة واختبرناه بهما وابتليناه بانه أى طريق يختار لنفسه بعد ما وفقناه لكليهما ونبهناه عليهما وبعد ما أعطيناه ما أعطيناه وهديناه بما هديناه

فَلَا اقْتَحَمَ وما دخل الإنسان المجبول على الكفران والنسيان الْعَقَبَةَ الكؤدة الوعرة على نفسه الشاقة لها حتى يؤدى شكر ما أعطيناه ثم ابهمها سبحانه تعظيما وتفخيما فقال

وَما أَدْراكَ ايها المغرور بالحياة المستعارة الدنياوية ولوازمها مَا الْعَقَبَةُ الكؤدة في طريق اهل الايمان والعرفان ثم بينها بقوله

فَكُّ رَقَبَةٍ اى العقبة الكؤدة عبارة عن فك الرقبة المملوكة للنفس الامارة عن رقية الأماني والآمال الطوال

أَوْ العقبة الكؤدة إِطْعامٌ لفقراء الله وعجزة عباده فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ اى حاجة شديدة وجوع مفرط

يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ اى له رحم وقرابة الى المطعم

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ قد اسكنه الفقر واغبره في تراب المذلة والصغار

ثُمَّ بعد ما اقدم على اقتحام العقبة المذكورة قد كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وأيقنوا ان ما في يدهم لله ومن مال الله وهم منفقون باقدار الله لعيال الله في سبيل الله وَمع ايمانهم بالله واتصافهم بالأعمال الصالحة المؤكدة لإيمانهم قد تَواصَوْا بينهم اى اوصى بعضهم بعضا بِالصَّبْرِ على مشاق التكاليف الإلهية ومتاعب الطاعات المأمور بها لهم وَكذلك تَواصَوْا بينهم بِالْمَرْحَمَةِ والشفقة على عباد الله وتعظيمهم والتحنن نحوهم والإحسان معهم ولو بكلمة طيبة وبالجملة

أُولئِكَ الموصوفون بهذه الكرامة العظمى أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ عند الله اى ذوو اليمن والكرامة وانواع اللطف وأعلى الدرجات والمقامات. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكذبوا بِآياتِنا الدالة على عظمة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ اى ذوو الملامة والندامة المأخوذون بشؤم كفرهم ومعاصيهم المجزيون بفواسد ما اقترفوا من الجرائم والآثام لذلك

عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ مطبقة مغلقة مكتوبة محفوفة بحيث لا يمكنهم التنفس فيها أصلا لكونهم

<<  <  ج: ص:  >  >>