للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل له خاصة التصرف بالاستقلال والاختيار بلا مزاحمة العكوس والاظلال الهالكة المستهلكة في صرافة وحدته وشمس ذاته وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بعد ما قدره أولا في حضرة علمه المحيط وأظهره حسب تجلياته بمقتضى آثار أسمائه وصفاته وبعد ما اظهر عموم ما اظهر فَقَدَّرَهُ ثانيا تَقْدِيراً بديعا ودبر امره تدبيرا محكما عجيبا بان اقدر البعض على اختراع انواع الصنائع والبدائع من الحرف والإدراكات الكاملة والتدبيرات الغريبة المتعلقة لتمدنهم ومعاشهم وجعل بعضهم آلة للبعض وبعضهم مملوكا وصيرهم ارواجا وأصنافا مؤتلفة وفرقا وأحزابا مختلفة متخالفة وأنواعا متفاوتة الى ما شاء الله وما يعلم جنود ربك الا هو كل ذلك ليتعاونوا ويتظاهروا واختلطوا وامتزجوا الى ان اعتدلوا وانتظموا وصاروا مؤتلفين موانسين محتاجين كل منهم بمعاونة الآخر وانما فعل سبحانه ما فعل ليظهر كمالاته المتكثرة المندرجة في وحدة ذاته ويظهر سلطان الوحدة الذاتية بظهور ضده وبعد ما بلغت الكثرة غايتها فقد انتهت الى الوحدة كما بدأت منها وانتشئت عنها فحينئذ قد اتصل في دائرة الوجود قوسا الوجوب والإمكان البداية والنهاية ومنشأهما الاول والآخر والظاهر والباطن واتحد الأزل والأبد وارتفعت الكثرة والعدد ولم يبق الا الواحد الفرد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد

وَكيف لا يدبر سبحانه امر عباده بانزال الكتب وإرسال الرسل المرشدين لهم الى توحيده بعد ما تاهوا في بيداء الكثرة والضلال مع انهم قد اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ سبحانه آلِهَةً يعبدونها كعبادته مع ان آلهتهم الباطلة لا يَخْلُقُونَ ولا يوجدون ولا يظهرون شَيْئاً من المخلوقات حتى يستحقوا الألوهية والعبادة مع ان من شأن الإله الخلق والإيجاد حتى يستحق التوجه والرجوع اليه بل وَهُمْ يُخْلَقُونَ اى مخلوقون مقدورون لا قادرون خالقون بل هم مرادون وَالمخلوقات التي هي الجمادات لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا اى دفع ضر عنها وَلا نَفْعاً اى جلب نفع إليها وَلا يَمْلِكُونَ ايضا مَوْتاً اى اماتة احد وَلا حَياةً اى احياء له وَلا نُشُوراً اى بعثا وحشرا بعد الموت للحساب والجزاء ومن كان وصفه هذا كيف يتأتى منه الألوهية والربوبية المقتضية للعبودية

وَبعد ما أنزلنا القرآن الفرقان على عبدنا ليهدى به التائهين في بيداء الغفلة والضلال قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله واعرضوا عما جاء به من عنده لتكميل الناقصين إِنْ هَذا وما هذه الأراجيف التي قد جاء بها هذا المدعى إِلَّا إِفْكٌ كذب صرف يصرف به العباد عن الحق ويلبس الباطل بصورته ويروجه بهذه الحيل إذ هو افْتَراهُ واختلقه عن عمد من عنده ونسبه الى الوحى تغريرا وتزويرا وترويجا لأمره وَمع ذلك قد أَعانَهُ ولقن له فحواه عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ وهم احبار اليهود وبعد ما قد سمع فحواه منهم عبر عنه في قالب بليغ فأتى به على الناس ولقبه بالقرآن المعجز وبالفرقان والبرهان المثبت المنزل عليه من ربه بطريق الوحى والإلهام ترويجا لمفترياته وتغريرا للناس على قبولها وبالجملة فَقَدْ جاؤُ اى أولئك المسرفون المفرطون بجعل القرآن الفرقان المعجز لفظا ومعنى إفكا صرفا وافتراء محضا ظُلْماً عدوانا ظاهرا وخروجا فاحشا عن حد الاعتدال وَزُوراً قولا كذبا باطلا وبهتانا ظاهرا متجاوزا عن الحد مسقطا للمروءة سقوطا تاما إذ نسبة هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه الى أمثال هذه الخرافات التي قد جاء بها أولئك الجهلة بشأنه في غاية الظلم والزور ونهاية المراء والغرور

وَقالُوا ايضا في حق هذا الكتاب ما هو افحش منه وابعد عن شأنه بمراحل وهوانه أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى أكاذيب قد سطرها

<<  <  ج: ص:  >  >>