للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجِلَتْ وخشيت قُلُوبُهُمْ خوفا من قهره وغضبه ومن حول صفات جلاله وسطوة سلطنته وكبريائه وَايضا الصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ من المصيبات والبليات التي قد جرى حكم الله عليها في سابق قضائه وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ المفروضة بأوقاتها المحفوظة مع شرائطها وأركانها المخصوصة وآدابها المسنونة تقربا اليه وتوجها نحوه بكمال الخضوع والخشوع والتذلل والانكسار وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ واستخلفناهم عليه ونسبناه إليهم يُنْفِقُونَ على الوجه الذي قد امرناهم به وعلى المصارف المذكورة المأمورة لهم في قوله سبحانه انما الصدقات للفقراء الآية متقربين بها الى الله ناوين الوصول الى جنة وحدته

وَاعلموا ايها المؤمنون المتقربون إلينا سيما في اوقات الحج انا قد جعلنا خير الهدايا وأكرم الضحايا الْبُدْنَ بادن كبذل وباذل وهي الإبل خاصة سميت بها لعظم بدنها وجسامتها وغلاء ثمنها وعظم وقعها في نفوس الناس لذلك قد جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ واعلام دينه ومعالم بيته واعلموا انه لَكُمْ فِيها خَيْرٌ كثير واجر جزيل وثواب عظيم عند الله ان تقربتم بها وان أردتم ذبحها فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها عند تذكيتها قائلين الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر اللهم منك وإليك ومالنا الا الامتثال ما امرتنا به والسر عندك ولديك والحكمة دونك ومنتهى الكل إليك وعليكم ايها القاصدون المتقربون ان تذبحوها صَوافَّ صافة قوائمها مشدودة محكمة ثم تطعنون في لباتها فَإِذا وَجَبَتْ وسقطت جُنُوبُها على الأرض وخرجت روحها من جسدها فَكُلُوا مِنْها ان شئتم وَأَطْعِمُوا ايضا الْقانِعَ وهو الفقير الذي يقنع بما يعطى ولا يبادر الى السؤال والإلحاح وَأطعموا منها ايضا الْمُعْتَرَّ وهو الذي يبادر الى السؤال قبل الإعطاء ويبالغ فيه ويلح كَذلِكَ اى على الوجه الذي امر وذكر قد سَخَّرْناها اى البدن وذللناها لَكُمْ ايها المؤمنون المتقربون بها إلينا مع انها في كمال القوة والجسامة وأنتم في غاية الضعف والنحافة وانما سخرناها وذللناها لكم كي تتفطنوا من تسخيرها وتذليلها الى تذليل امارتكم المسلطة عليكم فتذبحوها في طريق الحق متقربين بها اليه سبحانه مشدودة قوائم قواها عن مقتضاها لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة الأقدار والتوفيق عليها وتعطون بدلها من لدنه سبحانه مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

واعلموا ايها المتقربون الى الله بالهدايا والضحايا لَنْ يَنالَ اللَّهَ ولن يصيب ويصل اليه سبحانه لُحُومُها المتصدق بها إذ هو سبحانه منزه عنها وعن الانتفاع بها وَلا يصل ايضا اليه سبحانه دِماؤُها المهراقة وَلكِنْ ما يَنالُهُ وما يصل منها اليه سبحانه الا التَّقْوى اى التحرز والاجتناب الصادر مِنْكُمْ عن محارم الله ومنهياته والامتثال بأوامره والإتيان بمأموراته ومرضياته وبالجملة ما يقربكم اليه سبحانه الا امتثال الأوامر واجتناب النواهي لا اللحوم المطعمة ولا الدماء المهراقة ثم كرر سبحانه تأكيدا ومبالغة بقوله كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ اى الهدايا والضحايا لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ المتعزز بالعظمة والكبرياء المستقل بالمجد والبهاء حق تكبيره وتعظموه حق تعظيمه وتوقيره عَلى ما هَداكُمْ وأرشدكم الى الايمان والتوحيد وَبَشِّرِ يا أكمل الرسل الْمُحْسِنِينَ منهم وهم الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ويحسنون الأدب معه كأنهم ينظرون اليه ثم لما خشي المؤمنون عن معاداة المشركين وخافوا عن مخاصمتهم وغيظهم وعن ذبهم وصدهم لو خرجوا نحو مكة للزيارة والطواف قاتلوا معهم وأكبوا عليهم غيبة وعلى أموالهم وأسروا أولادهم أزال الله سبحانه عنهم الرعب

وأسقط عنهم الخشية بقوله إِنَّ اللَّهَ المتكفل لأمور عباده الحفيظ عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>