للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ كُنْتُمْ متمكنين فِي بُيُوتِكُمْ غير خارجين منها للقتال لَبَرَزَ اى خرج وظهر البتة القوم الَّذِينَ كُتِبَ اى قدر وفرض عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ في هذه المعركة إِلى مَضاجِعِهِمْ مصارعهم ومقاتلهم المقدرة لهم في الوقت الذي قدر بلا تأخير وتقديم وَبالجملة انما فعل بكم سبحانه ما فعل لِيَبْتَلِيَ ويختبر اللَّهُ المطلع بضمائركم ويظهر ما فِي صُدُورِكُمْ هل هو من الإخلاص والرضا أم هو من النفاق والشقاق وَلِيُمَحِّصَ يصفى ويطهر ما فِي قُلُوبِكُمْ من الايمان والتوحيد عن الشرك والنفاق وَبالجملة اللَّهُ المطلع لسرائركم وضمائركم عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بالأمور المكنونة فيها

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا اى استدبروا وتخلفوا مِنْكُمْ ايها المؤمنون جبنا ورهبة بلا شائبة كفر ونفاق يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ اى وقت التقاء الصفين للقتال إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ وأزال قدمهم عن التثبت والتقرر بِبَعْضِ ما كَسَبُوا اى بشؤم بعض أعمالهم المتعلقة بتسويلات نفوسهم التي هي من جنود الشياطين وَبعد ما ندموا واستغفروا وأخلصوا الرجوع الى الله لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ومحا ذنوبهم بلطفه وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده غَفُورٌ ستار عليهم جميع ما صدر عنهم من الآثام حَلِيمٌ لا يعجل بالبطش والانتقام ليتوبوا ويرجعوا

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عليكم ان تحافظوا على مقتضى الايمان والتوحيد ولا تنسبوا الحوادث الى غير الله بل فوضوها كلها الى الله اصالة حتى لا تَكُونُوا ايها المؤمنون كَالَّذِينَ كَفَرُوا بالله بنسبة الحوادث اصالة الى الأسباب والوسائل العادية وَلذلك قالُوا لِإِخْوانِهِمْ اى في حق إخوانهم الذين ماتوا او قتلوا إِذا ضَرَبُوا وسافروا فِي الْأَرْضِ للتجارة والسياحة أَوْ قتلوا وكانُوا غُزًّى غازين في سبيل الله طالبين رتبة الشهادة لَوْ كانُوا اى هؤلاء الميتون والمقتولون متمكنين عِنْدَنا ما ماتُوا في الغربة وَما قُتِلُوا في يد العدو معتقدين ان ما أصابهم انما أصابهم من الغزو والغربة لا من الله وانما اخطرهم سبحانه بهذا الرأى الفاسد وأقولهم بهذا القول الباطل لِيَجْعَلَ اللَّهُ المنتقم عنهم في النشأة الاولى والاخرى ذلِكَ الحزن والأسف الطارئ عليهم حينئذ حَسْرَةً متمكنة فِي قُلُوبِهِمْ يمرضهم ويضعفهم بها في الدنيا ويعذبهم في الآخرة وَبالجملة اللَّهُ القادر المقتدر على عموم المقدورات المستقل في امر الأحياء والاماتة يُحْيِي بمقتضى لطفه وَيُمِيتُ حسب قهره بلا مظاهرة ولا مشاركة وَاللَّهُ المطلع بسرائر عباده بِما تَعْمَلُونَ ايها المؤمنون بَصِيرٌ ناقد خبير يميز ويصفى إخلاصكم من الرعونة والرياء وأعمالكم من البدع والأهواء

وَالله ايها المؤمنون المتوجهون الى الله الطالبون الوصول الى زلال توحيده لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ طلبا لمرضاته أَوْ مُتُّمْ عن مقتضيات بشريتكم بالإرادة قبل موتكم سائرين سائحين في سبيل الفناء لَمَغْفِرَةٌ اى سترة ساترة لأنانيتكم ناشئة مِنَ اللَّهِ اى من جذبه لكم الى توحيده الذاتي وَرَحْمَةٌ اى جذبة نازلة منه مفنية لهوياتكم بالمرة في هويته خَيْرٌ لكم مِمَّا يَجْمَعُونَ وتدخرون أنتم لأنفسكم بهوياتكم الباطلة وان كنتم بارين خيرين فيها

وَالله ايها المؤمنون الموحدون المخلصون لَئِنْ مُتُّمْ في طريق الفناء موتا طبيعيا او إراديا أَوْ قُتِلْتُمْ فيه بيد الأعداء لَإِلَى اللَّهِ لا الى غيره إذ لا غير في الوجود تُحْشَرُونَ وترجعون رجوع الظل الى ذي الظل

فَبِما رَحْمَةٍ اى بسبب رحمة نازلة لك فائضة مِنَ اللَّهِ عليك يا أكمل

<<  <  ج: ص:  >  >>