للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وملتك

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بحيث قد ارتفعت غشاوة الحمية وغطاء التعصب عن ضمائرهم مطلقا وصاروا في محبتك ومودتك مستوية الاقدام متحابين لله في الله منخلعين عن لوازم البشرية مطلقا مع كونهم في جاهليتهم مصرين على التغالب والتهالك حسب الحمية الجاهلية والغيرة البشرية بحيث لَوْ أَنْفَقْتَ وصرفت ما فِي الْأَرْضِ من الزخارف جَمِيعاً لائتلافهم واجتماعهم ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لشدة بغضهم ونفاقهم وَلكِنَّ اللَّهَ المحول لأحوال عباده قد أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بمقتضى لطفه وجماله لينصروك ويقبلوا دينك كي يصلوا الى مرتبة اليقين والعرفان ويتحققوا في مقر التوحيد والايمان إِنَّهُ عَزِيزٌ غالب على عموم مراداته ومقدوراته حَكِيمٌ متقن في جميع أفعاله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المؤيد من عند الله بالنصر والظفر على الأعداء حَسْبُكَ اللَّهُ المتولى لأمورك وَايضا حسب مَنِ اتَّبَعَكَ بارادة الله تعالى ومشيته مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الموقنين بتوحيد الله الموفين بعهوده الباذلين مهجهم في سبيله

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المظفر المنصور بنصر الله حَرِّضِ ورغب الْمُؤْمِنِينَ الموحدين عَلَى الْقِتالِ في سبيل الله لترويج توحيده وقل لهم نيابة عنا ووعدا منا إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ايها المؤمنون عِشْرُونَ صابِرُونَ مستقرون ثابتون تجاه العدو يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ منهم بتأييد منا وعون من لدنا وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابرة راسخة متمكنة يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بامدادنا إياكم الى حيث يقاوم واحد منكم عشرة منهم وبالجملة تلك المغلوبية والانهزام انما عرض عليهم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ اى لا يصلون الى مرتبة اليقين العلمي بالله وكتبه ورسله حتى يترقوا منه الى مرتبة العين بل يبقون على المرتبة الحيوانية مهانين مغلوبين مخذولين هذا في بدأ الإسلام وضعف المسلمين وبعد ما ارتفع قدره وعلا رتبته وكثر اهله وانتشر في الآفاق هيبته

قال سبحانه الْآنَ اى حين كثر عددكم وعددكم ايها المؤمنون وثقل عليكم ما أمرتم فيما مضى قد خَفَّفَ اللَّهُ الميسر لأموركم أثقالكم عَنْكُمْ وَعَلِمَ بعلمه الحضوري أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً تستثقلون بتحمل المأمور به وأمركم ثانيا بقوله فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ ثابتة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ منهم وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ونصره وتأييده وَاللَّهُ المراقب لأحوال عباده مَعَ الصَّابِرِينَ المتحملين في متاعب امور الدين.

ثم أشار سبحانه الى سر جواز أخذ الفدية والجزية للرسل والأنبياء ووقته وسببه فقال ما كانَ اى ما صح وما جاز لِنَبِيٍّ من الأنبياء أَنْ يَكُونَ لَهُ وفي يده أَسْرى من الكفار ان يفديهم على المال ويخلى سبيلهم حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ اى لا يجوز لهم أخذ الفدية الا ان يكثر القتل ويذل الكفار ويعز الدين ويغلب اهله الى حيث اضطر المخالفون لتخليص نفوسهم الى الفدية مع انه لا يتوقع منهم المنازعة والمخاصمة أصلا وصاروا مهانين مقهورين ومتى لم يصلوا الى هذه المرتبة لم يصح أخذ الفدية وإذا كان حكم الفدية هكذا كيف تُرِيدُونَ ايها المؤمنون بأخذها عَرَضَ الدُّنْيا ومتاعها وحطامها مداهنين في الأخذ وَاللَّهُ المصلح لأحوالكم المدبر لأموركم يُرِيدُ لكم الْآخِرَةَ وثوابها وما يترتب عليها من اللذات الروحانية وأنتم تقصدون ان تستلذوا بها من حطام الدنيا ومزخرفاتها مداهنة وَاللَّهُ المراقب لحالاتكم عَزِيزٌ غالب فيما أراد لاجلكم حَكِيمٌ يريد لكم ما يليق بحالكم

وبالجملة لَوْلا كِتابٌ حكم وامر ثابت نازل مِنَ اللَّهِ المنتقم الغيور قد سَبَقَ في سابق علمه بان لا يؤاخذ المجتهد المخطئ بخطئه لَمَسَّكُمْ قد

<<  <  ج: ص:  >  >>