للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا يقتصر على المنع بل سَعى واجتهد فِي خَرابِها وتخريبها ليستأصلها ويخرجها عما تعد له مطلقا أُولئِكَ البعداء المشركون ما كانَ وما صح وجاز لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها اى المساجد لنجاستهم وخباثة طينتهم وان دخلوها أحيانا لحاجة فلا بد لهم ان لا يدخلوها إِلَّا خائِفِينَ خاضعين متذللين مستوحشين بحيث لم يتوجهوا يمنة ويسرة استحياء من الله بل منكسين رؤسهم على الأرض الى ان يخرجوا قل يا أكمل الرسل نيابة عنا لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ قتل واجلاء وسبى وذلة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ حرمان عن الكمال الإنساني بكفرهم وظلمهم

وَقل للمؤمنين يا أكمل الرسل تسلية لهم وتفريحا لا تغتموا عن منعهم عنها وسعيهم في تخريبها ولا تحصروا توجهكم الى الله في الأمكنة المخصوصة بل لِلَّهِ المتجلى في الآفاق الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ هما كنايتان عن طرفي العالم فَأَيْنَما تُوَلُّوا وتوجهوا نحوه فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ اى ذاته إذ هو سبحانه بذاته منتهى عموم الأماكن والجهات مع انه خال عن جميعها محيط بكلها منزه عنها مطلقا إِنَّ اللَّهَ المتعالي عن مطلق التحديد والتقدير واسِعٌ أجل من ان يحيط به القلوب الا من وسعه الله بسعة رحمته كما اخبر سبحانه بقوله لا يسعني ارضى ولا سمائي بل يسعني قلب عبدى المؤمن عَلِيمٌ لا يغيب عن علمه شيء وحيث اتجهتم نحوه وتوجهتم اليه قد علمه سبحانه قبل توجهكم بل توجهكم انما هو منه فلا يتوجه اليه الا هو لا اله الا هو كل شيء هالك الا وجهه

ومن غاية جهلهم بالله الواسع العليم الذي لا يسعه الأرض والسماء ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء انهم حصروه سبحانه في شخص وخيلوه جسما واثبتوا له لوازم الأجسام وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً كعيسى وعزير عليهما السّلام سُبْحانَهُ وتعالى الصمد الفرد الذي شانه انه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد عن ان يتخذ صاحبة وولدا بَلْ لَهُ مظاهر ما فِي السَّماواتِ وَكذا مظاهر ما في الْأَرْضِ يظهر عليها ويتجلى لها إظهارا لكمالاته المرتبة على صفاته المندرجة في ذاته ونسبته تعالى الى جميع المظاهر في التكوين والخلق على السواء من غير تفاوت وعيسى وعزير عليهما السّلام ايضا من جملة المظاهر ولا شك ان مرجع جميع المظاهر والمجالى الى الظاهر والمتجلى إذ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ خاضعون منقادون معترفون على ما هم عليه قبل ظهورهم من العدم

مقرون بانه بَدِيعُ اى مبدع السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من العدم بلا سبق مادة ومدة وَمن بدائع ابداعه انه إِذا قَضى وأراد أن يوجد ويظهر أَمْراً من الأمور التي في خزائن علمه ولوح قضائه وكتابه المبين فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ إمضاء لحكمه وانفاذا لمقتضى ارادته كُنْ فَيَكُونُ بلا تراخ ولا مهلة بحيث لا يسع حرف التعقيب ايضا الا لضرورة التعبير والتقريب فالالفاظ بمعزل عن أداء سرعة نفوذ قضائه

وَلما ظهر واشتهر ان القرآن ناسخ لجميع الكتب السالفة مع كونه مصدقا لها ناطقا بان الكل منزلة من عند الله على الرسل الماضين الهادين الى طريق الحق وان حكم الناسخ ماض نافذ وحكم المنسوخ قد مضى ولم يبق اثره مع ان كلا منهما كلام الله المؤدى لحكمه حسب الزمانين قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ولا يعرفون ظهور الله وتجلياته سبحانه بحسب أسمائه الحسنى وصفاته العليا في كل آن وشأن لا كشان لا نقبل هذا الحكم ولا نؤمن به لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ مشافهة بان هذا ناسخ راجح وذاك منسوخ مرجوح أَوْ تَأْتِينا على يدي من يدعى الرسالة آيَةٌ ملجئة تدل على هذا الحكم بلا احتمال آخر وبعد ما لم يكن لا هذا ولا ذاك لا نقبله ولا نؤمن به ولا تستبعد منهم يا أكمل الرسل أمثال هذا القول الباطل إذ كَذلِكَ اى مثل ذلك الذي سمعت منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>