للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند الله بِالْباطِلِ المموه المزخرف المختلق من عند انفسكم وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ الثابت الذي هو بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم وَالحال انكم أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حقيته في نفوسكم ولا تظهرونه حسدا وبغيا عدوانا وظلما

وَمن شدة حسدهم ونهاية بغضهم وشكيمتهم انهم قد احتالوا ومكروا واستخدعوا لإضلال المسلمين الى حيث قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لأصحابهم وجلسائهم على سبيل الحيلة والخداع آمِنُوا استهزاء وتسفيها بِالَّذِي اى بالكتاب الذي يدعون هؤلاء الحمقاء انه أُنْزِلَ على محمد موافقة منكم عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا به وَجْهَ النَّهارِ اى في أول بدوه ليفرحوا ويسروا بموافقتكم إياهم وَاكْفُرُوا آخِرَهُ اى اتركوه وأنكروا عليه في آخر النهار معللين بانا لم نجد محمدا على الوصف الذي ذكر في كتابنا ليتردد أولئك المؤمنون ويضطرب نبيهم من مخالفتكم وقولكم هذا وافعلوا معهم كذلك مرارا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن دينهم وايمانهم

وَبالجملة لا تُؤْمِنُوا ولا تظهروا يا اهل الكتاب ما في قلوبكم من الإذعان والتصديق بان هذا الشخص هو النبي الموعود المذكور في كتابكم إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ من إخوانكم وأصحابكم المتدينين بدين آبائكم واسلافكم ولا تفشوه عند هؤلاء قُلْ لهم يا أكمل الرسل ردا لمخادعتهم ودفعا لحيلتهم كلاما ناشئا عن محض الحكمة خاليا عن وصمة التهمة إِنَّ الْهُدى الموصل الى سواء السبيل هُدَى اللَّهِ الهادي لعباده ويوفق ويهدى من يشاء منهم الى طريق توحيده ويضل ويغوى من يشاء عنه ارادة واختيارا وانما دبرتم ايها المسرفون المفرطون بما دبرتم ومكرتم بما مكرتم ارادة أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من الكفر والجحود بنبوة النبي الموعود أَوْ يُحاجُّوكُمْ ويغلبوكم بهذا المكر والخداع عِنْدَ رَبِّكُمْ على زعمكم الفاسد واعتقادكم الباطل قُلْ لهم يا أكمل الرسل لا تغتروا بمزخرفات عقولكم ولا تطمئنوا بمقتضياتها إذ هي قاصرة عن معرفة الله مطلقا سيما عند تزاحم الوهم والخيال بل إِنَّ الْفَضْلَ والهداية المطلقة انما هي بِيَدِ اللَّهِ اى بقدرته ومشيته يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ بلا معاونة العقل ونصرته وَاللَّهُ الهادي لعباده واسِعٌ في فضله وهدايته لا حصر لطرق الهامه وإفاضته عَلِيمٌ باستعدادات عباده يوصل كلا منهم الى مشرب توحيده بطريق يناسب استعداده

بل يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ الواسعة الشاملة لجميع الفضائل والكمالات مَنْ يَشاءُ من خلص عباده تفضلا عليهم من لدنه بلا اقتضاء وجذب من استعداداتهم ويخصهم بفتوحات لا يدرك طوره ولا يكتنه غوره وَبالجملة اللَّهُ المتجلى بعموم الكمالات ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ واللطف الجسيم على بعض مظاهره من الأنبياء والأولياء الذين قد فنيت وتلاشت هوياتهم البشرية بالكلية في بحر الوحدة وتجردوا عن جلابيب الكثرة بالمرة

وَمن تفاوت الاستعدادات واختلاف القابليات الفطرية ترى مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ثقة عليه واعتمادا بِقِنْطارٍ مال منضد مخزون يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ على الوجه الذي ائتمنته عليه بلا تغيير وخيانة لصفاء فطرته ونزاهة استعداده وقابليته وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ او اقل لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ حين مطالبتك لخباثة طينته وردائة فطرته إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ وتطالب منه أمانتك قائِماً دائما على سبيل الإلمام والإلحاح نزلت في عبد الله بن سلام حين استودعه قريشي الفا ومائتي اوقية ذهبا واداه اليه وفنحاص بن عازوراء استودعه ايضا قريشي آخر دينارا أنكر وجحد مع اتفاقهما في الكفر واشتراكهما في الضلال والإصرار ذلِكَ اى ترك أداء

<<  <  ج: ص:  >  >>