للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ جاها وثروة تفوقا وتكبرا على من عليها من عباد الله ولا يمشون عليها خيلاء غافلين عن تزود الآخرة وَلا يقصدون فيها فَساداً مؤديا الى هتك محارم الله والخروج عن مقتضى حدوده وَبالجملة الْعاقِبَةُ الحميدة التي قد عبر عنها بلفظ الجنة ودار الآخرة ودار السلام ودار الخلود وغير ذلك من الألفاظ والعبارات المتداولة في ألسنة الكتب والرسل انما هي معدة مهيأة لِلْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم عن ارتكاب المنهيات والمحظورات مطلقا ويجتنبون عن عموم ما يؤدى الى إسقاط المروات رأسا ويتصفون بجميع ما جاء به الرسل ونطق به الكتب من الأمور المشعرات للهداية والصلاح والفوز بالفلاح والنجاة جملة فأولئك السعداء المقبولون هم الواصلون الى درجة القرب والشهود الوالهون بشرف مطالعة لقاء الخلاق الودود ثم أشار سبحانه اشارة جملية محتوية على اصول عموم المواعظ والتذكيرات المتعلقة بجميع عباده فقال

مَنْ جاءَ في النشأة الاولى بِالْحَسَنَةِ والخصلة المقبولة عند الله المستحسنة عند عموم عباده ابتغاء لمرضاته سبحانه وأداء لحقوق عباده فَلَهُ عند الله في النشأة الاخرى جزاء عليها حسنة مستحسنة هي خَيْرٌ مِنْها بل بأضعافها وآلافها تفضلا وإحسانا وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ والخصلة الذمية ايضا فيها المستقبحة عقلا وشرعا المستهجنة عند الله وعند عموم عباده عرفا وعادة فَلا يُجْزَى من قبل الحق في يوم الجزاء المسيئون الَّذِينَ قد عَمِلُوا السَّيِّئاتِ التي لا يرضى بها الله ولا خلص عباده إِلَّا مثل ما كانُوا يَعْمَلُونَ عدلا منه سبحانه. ثم لما اغتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين هاجر من مكة بسبب مكر المشركين ووصل الى جحفة واشتد اشتياقه الى مولده وموطن آبائه فتحزن حزنا شديدا بحيث أراد ان يعود منها إليها فنزلت تسلية له صلّى الله عليه وسلّم وازالة لحزنه

إِنَّ الله القادر المقتدر الَّذِي قد فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ وقدر لك انزاله وأقدرك على الامتثال بعموم ما فيه من الأوامر والنواهي وكشف عليك جميع ما فيه من الحقائق والمعارف والرموز والإشارات المتعلقة بصفاء مشرب التوحيد وذكر لك فيه من القصص والعبر والأمثال إرشادا لك الى مقامك الذي قد وعد لك الحق تفضلا وامتنانا وسماه من عنده مقاما محمودا لَرادُّكَ ومعاودك البتة إِلى مَعادٍ معهود فهو مولدك ومحتدك الأصلي وكذا موطن آبائك واسلافك على احسن وجه وأكمله وبعد ما عدت ورجعت إليهم بعد هجرتك من بينهم ان اضلوك وخيلوك على ما هو عادتهم وأساؤا الأدب معك ونسبوك الى ما لا يليق بشأنك قُلْ لهم على سبيل المجاراة رَبِّي الذي قد وسع كل شيء علما أَعْلَمُ منى بعلمه الحضوري مَنْ جاءَ بِالْهُدى منا انا او أنتم وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ منا ومنكم

وَعليك يا أكمل الرسل ان تفوض بعموم أمورك إلينا اتكالا علينا واعتصاما بحولنا وقوتنا ولا تلتفت الى المشركين وايمانهم ولا تداريهم ايضا خوفا او مداهنة ولا تك في رعب منهم انا قد كفيناك ونكف عنك مؤنة شرورهم إذ ما كُنْتَ أنت في حال من احوالك تَرْجُوا وتأمل أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ الجامع لفوائد جميع الكتب المنزلة من عندنا لكن ما انزل إليك هذا إِلَّا رَحْمَةً ناشئة نازلة مِنْ رَبِّكَ تفضلا عليك وتلطفا معك بلا تطلب منك وترقب من قبلك فكذلك يكفيك ربك عموم مهامك على الوجه الأصلح الأحسن فاتكل عليه واتخذه وكيلا وفوض أمورك كلها اليه واجعله حسيبا وكفيلا ومتى سمعت نبذا من شأنك الذي أنت عليه في ابتداء حالك فَلا تَكُونَنَّ أنت بعد اليوم ظَهِيراً معاونا ومعينا لِلْكافِرِينَ ولا مستظهرا ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>