للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ رَبِّي من كمال جوده وسعة رحمته عَلى كُلِّ شَيْءٍ كائن في حيطة جوده ووجوده حَفِيظٌ رقيب

وَلَمَّا تمادوا في الغفلة والاعراض وبالغوا في الإصرار والاستكبار قد جاءَ أَمْرُنا وجرى حكمنا بالريح فعصفت عليهم السموم وكانت تدخل من أنوفهم أجوافهم فقطعت أمعاءهم فهلكوا ولما أخذناهم بما أخذناهم نَجَّيْنا من مقام جودنا هُوداً الداعي لهم الى سبيل الحق وَايضا قد نجينا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ ناشئة مِنَّا تفضلا عليهم وامتنانا وَما اقتصرنا على انجاءهم من عذاب الدنيا بل قد نَجَّيْناهُمْ ايضا كرامة منا إياهم مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ معد لأولئك الكفرة في النشئة الاخرى

وَتِلْكَ العصاة الغواة المقهورون بقهر الله وغضبه عادٌ المبالغون في العتو والعناد قد جَحَدُوا من غاية غفلتهم وغرورهم بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة على السنة رسله وَعَصَوْا رُسُلَهُ ايضا بالتكذيب والاستحقار إذ يستلزم تكذيب الواحد تكذيب الجميع وَاتَّبَعُوا من غاية جهلهم ونهاية بغضهم مع الله ورسله أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ مبالغ في التجبر والتكبر عَنِيدٍ متناه في المكابرة والعناد فتركوا متابعة الداعي لهم الى سبيل الرشد

وَلذلك أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ايضا وبالجملة قد صاروا متبوعين لأصحاب الطرد والتخذيل في النشأة الاولى والاخرى أَلا تنبهوا يا اولى الأبصار وذوى الاعتبار إِنَّ عاداً المعاندين المكابرين قد كَفَرُوا رَبَّهُمْ نعمه وجحدوا توحيده أَلا بُعْداً طردا وتخذيلا وتبعيدا عن ساحة عز الحضور لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ اردفه بعطف البيان ليتميز من عاد ارم

وَبعد ما انقرضوا وانقهروا بما انقهروا قد أرسلنا إِلى ثَمُودَ حين ظهروا بالكفر والشقاق والانصراف عن منهج الرشد باتخاذ الأوثان والأصنام آلهة أَخاهُمْ صالِحاً لأنه اولى وأليق بإرشادهم وهدايتهم قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي لم يكن له كفوا احد ولا تشركوا به شيأ إذ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ موجد مظهر لكم من كتم العدم غَيْرُهُ بل هُوَ سبحانه بذاته وبمقتضى أسمائه وأوصافه الذاتية والفعلية قد أَنْشَأَكُمْ وأظهركم مِنَ الْأَرْضِ بامتداد اظلال أسمائه ورش رشحات انواره الذاتية التابعة لتجلياته الجلالية والجمالية وبعد ما أظهركم منها وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها وابقاكم عليها زمانا وربيكم بأنواع اللطف والكرم وبالجملة فَاسْتَغْفِرُوهُ واسترجعوا اليه على ما فرطتم في حقه ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ مخلصين نادمين عسى ان يقبل منكم ويعفو عن زلاتكم إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ لكم يعلم منكم توبتكم وإخلاصكم فيها مُجِيبٌ يجيب دعوتكم ويعفو عن زلتكم

قالُوا بعد ما سمعوا منه دعوته وتذكيره يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ أنت فِينا مَرْجُوًّا مستشارا مؤتمنا وقد اعتقدناك سيدا سندا ذا رشد وامانة قَبْلَ هذا الزمان فالآن قد صرت أخرق اخرف ذا خلل ظاهر وخبط متناه أَتَنْهانا أنت وتمنعنا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ونهيتنا عن عبادة معبوداتنا ومعبودات آبائنا وأسلافنا القديمة وَالحال انه إِنَّنا لَفِي شَكٍّ وتردد عظيم مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من وحدة الا له المعبود بالحق وكذا من بطلان آلهتنا القديمة التي قد وجدنا آباءنا لها عابدون مُرِيبٍ ذي ريبة منتهية الى كمال الإنكار مع انك ايضا لم تأت ببينة معجزة تلجئنا الى تصديقك

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كُنْتُ قد جئت لكم مقرونا عَلى بَيِّنَةٍ واضحة موضحة دالة على صدق ما ادعيت نازلة مِنْ عند رَبِّي لتصديقي وتأييدى وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>