للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِطَّةٌ اى حط ما صدر عنا وجرى علينا من المعاصي والآثام وإذا دخلتم على الوجه الذي أمرتم واستغفرتم كما علمتم نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ التي قد جئتم بها واستغفرتم لها أنتم وَسَنَزِيدُ بمقتضى فضلنا وجودنا الْمُحْسِنِينَ منكم تفضلا منا إياهم وتكريما بالرضوان الذي لا مرتبة عندنا أعلى منه واكبر والمحسنون هم الذين لم يتجاوزوا الحد ولم يخالفوا الأمر الإلهي ثم لما امرناهم بالدخول على هذا الوجه وعلمناهم طريق الدعاء والاستغفار خالف بعضهم المأمور ظلما وتأويلا

فَبَدَّلَ واستبدل القوم الَّذِينَ ظَلَمُوا بالخروج عن مقتضى أمرنا قولنا لهم لإصلاح حالهم تعليما وإرشادا قَوْلًا آخر لفظا ومعنى غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ حيث أرادوا من القول الملقى إليهم لفظا آخر ومعنى آخر برأيهم الفاسد وطبعهم الكاسد وهو قولهم حطا سمتاتا اى حنطة حمراء ولما لم يأتوا بالمأمور به ومع ذلك قد بدلوه الى ما تهوى أنفسهم أخذناهم بها فَأَنْزَلْنا بمقتضى قهرنا وجلالنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا تنصيصا عليهم وتخصيصا لهم ليعلم ان سبب أخذهم وانتقامهم انما هو ظلمهم رِجْزاً طاعونا نازلا مِنَ قبل السَّماءِ مقدرا أسبابه فيها بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بشؤم ما يخرجون عن مقتضى الحدود الإلهية المنزلة من عنده على السنة رسله

وَاذكروا ايضا جلائل نعمنا إياكم وقت إِذِ اسْتَسْقى مُوسى وطلب السقي منا بانزال المطر لِقَوْمِهِ حين بثوا الشكوى عنده من شدة العطش في التيه فَقُلْنَا له مشيرا الى ما يترقب منه مطلوبه بل يستبعد حصوله عند أشد استبعاد اضْرِبْ يا موسى بِعَصاكَ الْحَجَرَ الذي بين يديك ولا تستبعد حصول مطلوبك منها فتفطن موسى بنور النبوة بمضمون الأمر الوجوبي فضربه دفعة بلا تردد فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ فجاءة على الفور اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً متمايزة منفردة كل منها عن صاحبته بعدد رؤس الفرق الاثنى عشر بحيث قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ من كل فرقة مَشْرَبَهُمْ المعين لهم رفعا للتزاحم والتنازع ثم أمرناكم بما ينفعكم ظاهرا وباطنا بان قلنا لكم كُلُوا وَاشْرَبُوا متنعمين مترفهين مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الذي قد أفاض عليكم من حيث لا تحتسبون وَنهيناكم عما يضركم صورة ومعنى بان قلنا لكم لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ ولا تظهروا عليها خيلاء متكبرين مُفْسِدِينَ بأنواع الفسادات مفتخرين بها واعلموا ان الله المنتقم الغيور لا يحب كل مختال فخور

وَاذكروا ايضا وقت إِذْ قُلْتُمْ لموسى في التيه بعد إنزال المن والسلوى وانفجار العيون من الحجر الصماء قولا خاليا عن الإخلاص والمحبة ناشئا عن محض الغفلة والفساد وكفران النعم يا مُوسى على طريق سوء الأدب لَنْ نَصْبِرَ معك في التيه عَلى طَعامٍ واحِدٍ مع انه غير ملائم لأمزجتنا وطباعنا فَادْعُ لَنا رَبَّكَ الذي قد ادعيت تربيته إيانا يُخْرِجْ لَنا ويهيء لغذائنا من جنس ما تنبت الأرض التي هي معظم عناصرنا مما يناسب لمزاجنا سواء كان مِنْ بَقْلِها خضرواتها التي يأكلها الإنسان للتفكه والتلذذ بحرافتها وحموضتها ومرارتها الملايمة لطبعه وَقِثَّائِها التي يتفكه بها لتبريد المزاج وَفُومِها حنطتها التي يتقوت بها لشدة ملاءمتها مزاجه لذلك ما أزل الشيطان أبانا آدم الا بتناولها وكذا ما نهى سبحانه عباده عنها لكمال ملاءمتهم بها وميل طباعهم إياها وَعَدَسِها الممد لهضم الغذاء وَبَصَلِها التي تشتهيها النفوس المتنفرة عن الحلاوة والدسومة ثم لما سمع موسى منهم ما سمع ايس وقنط من صلاحهم وإصلاحهم لذلك قالَ في جوابهم موبخا ومقرعا أَتَسْتَبْدِلُونَ وتختارون ايها الناكبون عن طريق الحق الراكنون الى الهوى الَّذِي هُوَ أَدْنى

<<  <  ج: ص:  >  >>