للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عادتهم المستمرة وأرادوا الخروج قالوا له عليه السلام اخرج أنت ايضا معنا غدا يا ابراهيم الى الصحراء نعيد فيها ونرجع

فَنَظَرَ ابراهيم عليه السلام حينئذ نَظْرَةً فِي دفتر النُّجُومِ وهم قد كانوا يعملون بالاحكام النجومية يومئذ ويعتقدون لها وهو عليه السلام مشهور بضبطها

فَقالَ لهم اليوم إِنِّي سَقِيمٌ الآن او سأسقم عن قريب بالطاعون وهم قد يفرون من المطعون فرارهم من الأسد

فَتَوَلَّوْا عَنْهُ وانصرفوا من بعد ما سمعوا منه القول الموحش مُدْبِرِينَ رهبة ورعبا فخرجوا من الغد الى الصحراء ولم يخرج عليه السلام معهم ثم لما بقي محل الأصنام خاليا عن الخدام وقد طبخ عندها انواع من الطعام

فَراغَ اى مال وانصرف إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أولا على سبيل التهكم والاستهزاء أَلا تَأْكُلُونَ ايها المعبودون عن هذه الأطعمة المطبوخة المرغوبة المهياة عندكم. ثم قال

ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ اى ما عرض ولحق لكم ما تتكلمون ايها الآلهة المستحقة للعبادة والرجوع إليكم في المهمات وبعد ما استهزأ عليه السلام مع هؤلاء الأصنام الصم البكم الجامدين بما استهزأ

فَراغَ عَلَيْهِمْ اى مال إليهم وذهب نحوهم فضربهم ضَرْباً بِالْيَمِينِ اى بشدة القوة والغلظة فكسرها تكسيرا وفتت اجزاءها تفتيتا ثم لما أخبروا بانكسار أصنامهم وانفتاتها حين كانوا في الصحراء ظنوا بأجمعهم بل جزموا انه ما فعل بآلهتهم هذه الفعلة الا ابراهيم

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ عازمين جازمين على تمقيته وانتقامه يَزِفُّونَ اى يعدون ويسرعون ويتبخترون ثم لما وصلوا اليه حصروا عن التكلم معه من غاية غيظهم ونهاية زفرتهم فسبقهم عليه السلام بالتكلم حيث

قالَ مقرعا عليهم أَتَعْبُدُونَ ايها الجاهلون الضالون ما تَنْحِتُونَ وتصنعون بأيديكم وتعتقدونه الها خالقا موجدا مظهرا لكم من كتم العدم وتعبدونه ظلما وزورا فمن اين لهؤلاء الجمادات العاطلة الباطلة لوازم الخلق والإيجاد والإظهار أفلا تعقلون بل

وَاللَّهُ الواحد الأحد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية قد خَلَقَكُمْ بالإرادة والاختيار وَخلق ايضا عموم ما تَعْمَلُونَ اى جميع أعمالكم وأفعالكم التي صدرت عنكم ومن جملتها صنعكم ونحتكم للأصنام والأوثان ومن هنا ظهر ان جميع افعال العباد مثل ذواتهم مستندة الى الله أولا وبالذات ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ثم لما سمعوا منه عليه السلام ما سمعوا انصرفوا عن مكالمته ومقاولته وهموا العزم الى قتله ومقته

وقالُوا اى بعضهم لبعض حين كانوا مشاورين في كيفية قتله بعد ما قر رأيهم عليه ابْنُوا لَهُ بُنْياناً واملئوه بالنار فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ والسعير المسعر حين تنتقمون عنه فبنوا حائطا من الحجر سمكه ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون وملؤه من الحطب واوقدوا فيه نارا فنفخوا فيه بالمنافخ حتى تسعرت وتلهبت ثم طرحوه بالمنجنيق فيها وبالجملة

فَأَرادُوا بِهِ وقصدوا لمقته كَيْداً لينتقموا عنه مستعلين عليه فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ المقهورين الخاسرين الخائبين بما فعلوه به عناية منا وتفضلا وامتنانا عليه حيث جعلنا ما سعروه بردا وسلاما عليه فانقلبوا لما رأوا نجاته صاغرين محزونين وبعد ما خرج الخليل صلوات الله عليه وسلامه منها اختار الجلاء والخروج من بينهم بوحي الله إياه والهامه

وَلهذا قالَ حين خروجه إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي والى كنف حفظه وجواره وسعة رحمته سَيَهْدِينِ بلطفه الى منزل يمكنني التوجه فيه اليه ويطمئن قلبي فيه فذهب الى الشأم بالهام الله إياه وتوطن في الأرض المقدسة وبعد ما توطن ناجى مع الله وطلب منه سبحانه الولد الخلف له المحيي لاسمه فقال

رَبِّ يا من رباني

<<  <  ج: ص:  >  >>