للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجبولون على فطرة التوحيد بوحدة الذات المتجلية في الآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الواحد الأحد الفرد الصمد القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَ اظهر وأوجد السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وما بينهما من كتم العدم بمد اظلال أوصافه وأسمائه عليها وبرش رشحات ماء الحيات المترشحة من بحر الوجود إياها فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اوقات تارات ودفعات ليشير بها الى احاطتها بالجهات كلها ثُمَّ اسْتَوى واستولى عَلَى الْعَرْشِ اى على عروش عموم المظاهر والمكونات الكائنة في الأقطار والآفاق منزها عن جميع الحدود والجهات وكذا عن الاستواء والاستقرار والتمكن مطلقا ورتب امور المكونات على حركات الأفلاك بحيث يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يغطى ويستر بالليل وجه النهار مع ان النهار يَطْلُبُهُ ويعقبه حَثِيثاً سريعا وَبالجملة قد جعل الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ وحكمه يتحركن حيث أمرها الحق سبحانه أَلا اى تنبهوا ايها الاظلال الهالكة والعكوس المستهلكة في ذات الله الفانية المضمحلة في هويته الوحدانية انه لَهُ سبحانه وفي قبضة قدرته وتحت حكمه وارادته الْخَلْقُ اى عموم الإيجاد والإظهار وَالْأَمْرُ اى مطلق التدبير والتصرف بالاستقلال والاختيار تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ اى تعاظم وتعالى في ألوهيته عن ان يدركه العقول والافهام وفي ربوبيته عن المظاهرة والمشاركة بالأمثال والأشباه مطلقا

ادْعُوا ايها المجبولون على فطرة التوحيد رَبَّكُمْ الذي قد تفرد بتربيتكم وايجادكم تَضَرُّعاً متضرعين صائحين نحوه إذ لا ملجأ لكم سواه وَخُفْيَةً مناجين معه خائفين خاشعين من صولة قهره منيبين اليه عن ظهر القلب لا متقلقلين ملقلقين على طرف اللسان عادين حاسبين وبالجملة إِنَّهُ سبحانه لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المتجاوزين المجاهرين الملحين المقترحين في الدعاء إذ علمه بحالهم يغنيهم عن سؤالهم

وَعليكم ايها المكلفون ان لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ التي هي محل الكون والفساد سيما بَعْدَ إِصْلاحِها بإرسال الرسل وإنزال الكتب وَادْعُوهُ سبحانه ان أردتم الالتجاء اليه والمناجاة معه خَوْفاً وَطَمَعاً اى خائفين من رده حسب قهره وجلاله راجين من عفوه وقبوله حسب لطفه وجماله إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ المجيب لدعوة المضطرين عناية وفضلا قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ويقومون بين يديه خائفين مستحين من سطوة سلطنة قهره وجلاله راجين طامعين من فضله ونواله وَكيف لا يكون رحمته قريبة من المحسنين الموقنين

مع انه هُوَ المنعم المفضل الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ ويثيرها بُشْراً نشرا ناشرات مبشرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام روحه ورحمته حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ اى حملت وأثقلت وجمعت وركبت من البخارات المتراكمة سَحاباً غليظا ثِقالًا بالاجزاء المائية سُقْناهُ من كمال فضلنا وجودنا لِبَلَدٍ مَيِّتٍ جامد يابس لأجل احيائه ونضارته فَأَنْزَلْنا بِهِ اى بالبلد الميت او بالسحاب او بالسوق الْماءَ المحيي فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالماء مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اى أجناسها وأنواعها المختلفة بالطعوم والروائح والألوان كَذلِكَ اى مثل اخراجنا بالماء الصوري انواع الثمرات من البلد الميت الصوري نخرج ايضا بالماء المعنوي الذي هو العلم اللدني من أراضي القابليات من استعدادات الموتى المحجوبين بالحجب الظلمانية والجهل الجبلي الهيولاني بإرسال رياح أنفاس الأنبياء والأولياء المستنشقة من النفس الرحمانى مبشرات بالكشوف المشاهدات حتى إذا اجتمعت وتراكمت وصارت سحابا شرعيا تكليفيا ثقالا بمياه الحكمة والتقوى سقناه من كمال فضلنا وجودنا الى بلاد

<<  <  ج: ص:  >  >>