للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالحكمة الباعثة على جميع ذلك لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وتفهمون ان مبدأكم ومنشأكم منه سبحانه ومعادكم اليه فتعبدونه حق عبادته كي تعرفوه حق معرفته وكيف لا تعبدونه سبحانه ولا تعرفونه ايها العقلاء المجبولون على فطرة الدراية والشعور مع انه

هُوَ الَّذِي يُحْيِي بامتداد اظلال أسمائه على كل ما لاح عليه بروق وجوده بمقتضى جوده وَيُمِيتُ بقبض تلك الاظلال نحو ذاته بالإرادة والاختيار وبالجملة فَإِذا قَضى أَمْراً اى تعلق ارادته ومشيته باحداث ما ظهر في عالم الأمر فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ بعد تعلق مشيته كُنْ فَيَكُونُ بلا تراخ وتعاقب مفهوم من منطوق هذه الآية على ما هو المتبادر من أمثاله بل كل ما لمع عليه برق ارادته وصدر منه سبحانه ما يدل على نفوذ قضائه تكون المقضى بغتة بحيث لا يسع بين القضاء والمقضى توهم المهلة والتراخي والترتيب مطلقا ومع سرعة نفوذ قضاء الله وظهور هذه الآثار العظيمة من قدرته الكاملة على الوجه المذكور

أَلَمْ تَرَ ايها المعتبر الرائي إِلَى المشركين المسرفين الَّذِينَ يُجادِلُونَ ويكابرون فِي آياتِ اللَّهِ الدالة على كمال علمه وقدرته ومتانة حكمه وحكمته أَنَّى يُصْرَفُونَ اى الى اين ينصرفون عن عبادته ويعرضون عن ساحة عز جنابه ووحدته الذاتية سيما هؤلاء المكابرون

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ اى بالقرآن الجامع الكامل الشامل المنزل عليك يا أكمل الرسل وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا اى بعموم ما أرسلنا الى رسلنا الذين مضوا من قبلك من الكتب والصحف المنزلة عليهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أولئك الضالون المكذبون وبال جدالهم وتكذيبهم في النشأة الاخرى وقت

إِذِ تكون الْأَغْلالُ الثقيلة معقودة فِي أَعْناقِهِمْ بسبب انصرافهم عن آيات الله وعدم التفاتهم الى رسله الحاملين لوحيه سبحانه وَايضا تكون السَّلاسِلُ الطوال مشدودة في أيديهم وأرجلهم لعظم جرائمهم وآثامهم الباعثة على أخذهم وانتقامهم يُسْحَبُونَ ويجرون هؤلاء على وجوههم

فِي الْحَمِيمِ اى في الماء الحار المسخن بالنار المعدة لهم قبل تعذيبهم بالنار الملهبة ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ يوقدون ويطرحون فيها طرح الحطب الوقود للنار

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ من قبل الحق توبيخا وتقريعا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ اى اين أصنامكم واوثانكم وعموم معبوداتكم التي أنتم قد ادعيتم شركتها مع الله في الألوهية وسميتموها آلهة

مِنْ دُونِ اللَّهِ لم لا تنقذكم من عذاب ولم لا يشفعون لكم عنده سبحانه حسب ما زعمتم في شأنهم وعللتم عبادتكم بها وبعد ما سمعوا ما سمعوا من التوبيخ والتقريع قالُوا متحسرين متأوهين قد ضَلُّوا وغابوا عَنَّا آلهتنا الهلكى وشفعاؤنا الهالكة المستهلكة التي قد كنا ندعو إليهم ونستشفع منهم بَلْ قد ظهر لنا اليوم انا لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ في النشأة الاولى شَيْئاً ينفعنا ويدفع عنا من غضب الله بل كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ المنتقم المضل الْكافِرِينَ الضالين بحيث لا يتنبهون بضلالهم الا وقت حلول العذاب عليهم ثم قيل لهم مبالغة في توبيخهم وتعييرهم

ذلِكُمْ اى إضلال الله إياكم بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ وتمشون عليها خيلاء بطرين مسرورين مستكبرين عن قبول آيات الله المنزلة على رسله مكذبين لهم مستهزئين بهم بِغَيْرِ الْحَقِّ اى بلا دليل قطعى عقلي او سمعي اقناعى او ظني بل بمجرد الوهم الناشئ من كبركم وخيلائكم وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ اى تتوسعون وتتوقرون على انفسكم الفرح والسرور بمخالفتكم بترككم سنن حدود الله وبترككم سنن أنبيائه ورسله عنادا ومكابرة ثم قيل لهم بعد تفضيحهم على رؤس الاشهاد

ادْخُلُوا ايها المسرفون الضالون أَبْوابَ جَهَنَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>