لأرباب المراتب العلية والمناصب السنية من المنقطعين نحو الحق بعد انخلاعهم عن لوازم هوياتهم الباطلة البشرية العائقة عن التلذذ باللذات الاخروية الروحانية خَيْرٌ محض لا يتخلل بينه شر ونفع صرف ولا يطرؤ عليه ضرر وَأَبْقى وأدوم إذ لا يلحقه انصرام ولا انقضاء ولا زوال ولا فناء أَتستبدلون أنتم ايها الحمقى الأدنى الفاني بالأعلى الباقي بل تختارون اللذة الجسمانية على اللذات الروحانية فَلا تَعْقِلُونَ ولا تستعملون عقولكم الموهوبة لكم بمقتضاها ليتميز عندكم ما هو الأليق بحالكم والاولى بمآلكم
أَتستوون وتعدلون الآجل الباقي بالعاجل الزائل الفاني مع ان الكل من عندنا وتحت قدرتنا فَمَنْ وَعَدْناهُ من لدنا وعهدنا معه وَعْداً حَسَناً اى موعدا ذا حسن وكرامة وبهجة وبهاء فَهُوَ لاقِيهِ ومدركه وموصل اليه البتة إذ لا خلف لوعدنا الموعود من عندنا ولا نقض لعهدنا المعهود من لدنا أصلا أتظنون وتعتقدون ايها الجاهلون ان منزلة هذا السعيد الموفق على السعادة من عندنا كَمَنْ مَتَّعْناهُ كالشقى الذي متعناه في هذه النشأة مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا الدنية الامكانية الظلمانية التي هي مكدرة بأنواع الكدورات مشوبة بأصناف الآلام والحسرات منغمسة بالخبائث والقاذورات ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بعد انقراض النشأة الاولى مِنَ الْمُحْضَرِينَ عند الله يوم العرض الأكبر للحساب والجزاء على ما قد تمتعوا به في النشأة الاولى. ثم قال سبحانه
وَاذكر يا أكمل الرسل لمن أشرك بالله واثبت شريكا في الوجود سواء يَوْمَ يُنادِيهِمْ الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء حين ظهر على مظاهره باسم القهار المفنى لأظلال السوى والأغيار مطلقا فَيَقُولُ بمقتضى غيرته وجلاله مخاطبا لمن قد أشرك له شيأ من عكوسه واظلاله مع ان الكل مطموس مقهور تحت حوله وقوته أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ايها الزاعمون المشركون المثبتون لي شركاء وتعبدونهم مثل عبادتي عدوانا وظلما. ثم أظهرهم الحق وأوجدهم جميعا تابعا ومتبوعا عابدا ومعبودا بعد ما قد قهرهم واعدمهم جميعا إظهارا للقدرة الكاملة وإلزاما للحجة البالغة وبعد ما أظهرهم وسألهم
قالَ الَّذِينَ حَقَّ اى ثبت وتوجه عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ والسؤال من الله أولا وهم المعبودون مناجين نحو الحق متضرعين قائلين رَبَّنا يا من ربانا على فطرة التوحيد كيف تصدر منا أمثال هذه الجرأة بل هؤُلاءِ الغواة الهالكون في تيه الغي والضلال هم الَّذِينَ قد أَغْوَيْنا عن منهج الاستقامة والسداد بأنواع التذلل والانقياد والإطاعة والعبادة إيانا بمقتضى اهويتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة مع انا لا نستحق بها بل فعلوا ذلك على توهم منهم انا قادرون على إنجاح ما في نفوسهم وطباعهم من الأماني والشهوات ونحن ايضا قد أَغْوَيْناهُمْ بأنواع التغريرات والتضليل كَما غَوَيْنا ٧ هؤلاء إيانا بعباداتهم وطاعاتهم إلينا فتعارض اغواؤنا باغوائهم وحين ظهر الحق قد تساقطا فالآن قد تَبَرَّأْنا عنهم وعن عبادتهم والتجأنا إِلَيْكَ تائبين آئبين مع انهم ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ حين ادعوا عبادتنا بل انما عبدوا اهوية نفوسهم وأماني قلوبهم وتوسلوا بنا فيها وكذا العابدون الضالون يتبرءون عن معبوداتهم باشد من ذلك متلائمين متعارضين
وَقِيلَ حينئذ من قبل الحق للمشركين على سبيل التهكم والاستهزاء ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الذين كنتم تطمعون وتدعون شفاعتهم إياكم فَدَعَوْهُمْ صائحين متضرعين فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ من كمال عجزهم وحيرتهم في أنفسهم وَبعد ما قد رَأَوُا الْعَذابَ النازل على أربابهم قالوا متمنين على سبيل التلهف والتحسر لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ في النشأة الاولى لينقذوا أنفسهم عن العذاب اليوم فكيف إنقاذهم بنا