للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القضاء

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بمقتضى قهره وجلاله عن طريق توحيده فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ سواه ينصره او يدفع ما يؤذيه ويخذله مِنْ بَعْدِهِ اى بعد إضلال الله إياه واذلاله وَبعد ما ردهم سبحانه الى دار الانتقام بأنواع الخيبة والخسران تَرَى ايها الرائي الظَّالِمِينَ المغرورين بما هم عليه من الجاه والثروة والمفاخرة بالأموال والأولاد في دار الدنيا لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ النازل عليهم المحيط بهم من جميع جوانبهم يَقُولُونَ حينئذ اى بعضهم لبعض من شدة اضطرابهم واضطرارهم هَلْ إِلى مَرَدٍّ رجعة الى الدنيا وعود إليها مِنْ سَبِيلٍ حتى نعود ونستعد ليومنا هذا

وَهم في هواجس نفوسهم يتكلمون بهذا الكلام تحسرا وتضجرا تَراهُمْ ايها الرائي يُعْرَضُونَ ويساقون عَلَيْها اى على النار خاشِعِينَ خاضعين مِنَ الذُّلِّ والهوان المفرط الشامل لهم يَنْظُرُونَ حينئذ نحو النار مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ اى بنظرة خفية من تحت الاهداب بلا تحريك الأجفان من شدة رعبهم وخشيتهم منها كنظر من يؤمر بقتله الى سيف الجلاد وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا حين رأوا أعداءهم معذبين إِنَّ الْخاسِرِينَ المفسدين هم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالظلم والضلال وَأَهْلِيهِمْ بالصد والإضلال لذلك استحقوا العذاب المخلد يَوْمَ الْقِيامَةِ والوبال المؤبد فيها أَلا اى تنبهوا ايها الابطال الاظلال المستظلون تحت لواء العدالة الإلهية إِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضاها باغواء الغوائل الامكانية والتسويلات الشيطانية معذبون فِي عَذابٍ مُقِيمٍ وعقاب دائم أليم

وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وينقذونهم من عذابه والحال انه قد أضلهم الله بمقتضى قهره وجلاله وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ المنتقم الغيور فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ الى الهداية والنجاة ولا الى الخروج من وبال ما يترتب على غيهم وضلالهم وبالجملة

اسْتَجِيبُوا ايها المكلفون بالاجابة والقبول لِرَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد وتوجهوا نحوه مخلصين وأجيبوا داعيه محمدا صلّى الله عليه وسلم مصدقين مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ يحل فيه العذاب عليكم مع انه لا مَرَدَّ لَهُ اى لا دفع ولا رد للعذاب النازل فيه مِنَ اللَّهِ وبعد ما قد قضى سبحانه وحكم بتعذيبكم حتما ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ سواه وقد جرى حكمه بالعذاب وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ اى ما يتيسر لكم حينئذ انكار اسباب العذاب وموجباته إذ تشهد عليكم يومئذ جوارحكم وقواكم بما اقترفتم بها من الجرائم والآثام وبالجملة قل يا أكمل الرسل على سبيل العظة والتذكير لهم أمثال هذه المواعظ والتذكيرات نيابة عنا فان امتثلوا وقبلوا فقد اهتدوا

فَإِنْ أَعْرَضُوا عنها ولم يلتفتوا إليها عنادا ومكابرة فَما أَرْسَلْناكَ اى فاعلم انا ما أرسلناك يا أكمل الرسل عَلَيْهِمْ حَفِيظاً كفيلا يحفظهم عن جميع ما يضرهم ويغويهم بل إِنْ عَلَيْكَ اى ما عليك إِلَّا الْبَلاغُ وقد بلغت وبعد تبليغك ما بقي عليك من حسابهم من شيء. ثم أشار سبحانه الى وهن عزائم الإنسان وضعف عقائده فقال وَإِنَّا من مقام عظيم جودنا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ تفضلا مِنَّا إياه وتكريما بلا سبق استحقاق منه رَحْمَةً شاملة محيطة بعموم أعضائه وجوارحه قد فَرِحَ بِها وانبسط بحلولها وَإِنْ تُصِبْهُمْ حينا من الأحيان سَيِّئَةٌ من السيئات مؤلمة لهم مع انها بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وبشؤم ما اقترفوا لأنفسهم من المعاصي والآثام الجالبة لانواع المضرات فَإِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على النسيان حينئذ كَفُورٌ مسرع الى الكفران مبادر الى الكفر والنسيان كأنه لم ير منا الانعام والإحسان قط فكيف تكفرون بوفور نعمة الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>