للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انفسكم مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة الا ذلك هو الخسران المبين وكيف لا تكونون أنتم من جملة الخاسرين الناقضين للعهود الإلهية وأنتم قوم شأنكم هذا

وَالله لَقَدْ عَلِمْتُمُ وحفظتم أنتم قصة المسرفين المفرطين الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ ومن اسلافكم متجاوزين عن مقتضى العهد الإلهي في زمن داود عليه السّلام فِي اصطياد يوم السَّبْتِ وذلك انهم سكنوا على شاطئ البحر في قرية يقال لها ايلة وكان معاشهم من صيد البحر فأرسل الله عليهم داود عليه السّلام فدعاهم فآمنوا له وعهد عليهم معهم على لسان داود بان لا يصطادوا في يوم السبت بل يخصونه ويعينونه للتوجه والتعبد فقبلوا العهد وأكدوه بالميثاق وكانت حيتان البحر بعد العهد يحضرن في يوم السبت على شاطئ البحر ويخرجن خراطيمهن من الماء ثم لما مضى عليها زمان احتالوا لصيدها حيث حفروا حياضا وأخاديد على شاطئ البحر وأحدثوا جداول منه إليها ولما كان يوم السبت يفتحون الجداول ويرسلون الماء الى الحياض واجتمعت الحيتان فيها وفي يوم الأحد يصطادونها منها وبالجملة قد نقضوا عهدنا بهذه الحيلة واغتروا بامهالنا إياهم زمانا بل ظنوا انهم قد خادعونا ثم انتقمنا عنهم فَقُلْنا لَهُمْ حينئذ بعد ما قد أفسدتم على انفسكم لوازم الانسانية التي هي الإيفاء والوفاء على العهود والتكاليف قد افسدنا ايضا انسانيتكم بالمرة كُونُوا إذا الساعة قِرَدَةً صورة ومعنى خاسِئِينَ مهانين مبتذلين فمسخوا عن لوازم الانسانية من العلم والإدراك والمعرفة والايمان على الفور ولحقوا بالبهائم بل صاروا أسوأ حالا منها

فَجَعَلْناها اى قصة مسخهم وشانهم هذا نَكالًا وعبرة لِما بَيْنَ يَدَيْها من الحاضرين المشاهدين حالهم وقصتهم وَما خَلْفَها ممن يوجد بعدها من المذكرين السامعين قصصهم وتواريخهم وَمَوْعِظَةً وتذكيرا لِلْمُتَّقِينَ الذين يحذرون عن المناهي مطلقا ويحفظون نفوسهم عنها دائما

وَاذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين من سوء معاملة بنى إسرائيل مع أخيك موسى الكليم عليه السّلام وقبح صنيعهم معه ومجادلتهم بما جاء به من عندنا جهلا وعنادا ليتنبهوا ويتفطنوا على ان الايمان بنبي يوجب الانقياد والإطاعة له وترك المراء والمجادلة معه ودوام المحبة والإخلاص بالنسبة اليه وتفويض الأمور اليه ليتم سر الربوبية والعبودية والنبوة والرسالة والتشريع والتكليف والاقتداء والانقياد والتوسل والتقرب والوصول وذلك وقت إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ حين حدثت الفتنة العظيمة فيما بينهم وهي انه كان فيهم رجل من صناديدهم له اموال وضياع وعقارات كثيرة وله ابن واحد وبنوا أعمام كثيرة فطمعوا في ماله وقتلوا ابنه ليرثوه وطرحوا المقتول على الباب فأصبحوا صائحين فزعين يطلبون القاتل فأراد الله تفضيحهم وتشهيرهم فأمر موسى عليه السّلام بان قال لهم مخبرا إِنَّ اللَّهَ المطلع على سرائر الأمور يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً حتى ينكشف لكم امر المقتول ثم لما سمعوا من موسى ما سمعوا استبعدوا قوله وتحيروا في امره وقوله هذا ومن غاية استبعادهم قالُوا له على طريق المعاتبة أَتَتَّخِذُنا هُزُواً يعنى أتعتقد أنت يا موسى الداعي للخلق الى الحق انا محل استهزائك وسخريتك مع انه لا يليق بك ولا بنا هذا قالَ موسى مستنزها نفسه عن الاستهزاء مستعيذا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ المستهزئين بالناس بل ما اتبع الا ما يوحى الى ثم لما سمعوا منه الاستبراء والاستعاذة خافوا من ابتلاء الله إياهم فأوجس كل منهم خيفة في نفسه لكونهم خائنين واشتغلوا بتدبير الدفع وشاوروا بينهم واستقر رأيهم على ان نووا تلك البقرة المخصوصة المعلمة المعينة المعهودة عندهم المعلومة بالشخص

<<  <  ج: ص:  >  >>