للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنبيها على من تبعه من المؤمنين ليتفطنوا منها الى مبدئهم ومعادهم ويتصفوا بكمال المعرفة والتوحيد فقال مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم إذا مثال هذه الخطابات الحبيبية لا يسع في سمع غيره صلى الله عليه وسلم

أَلَمْ تَرَ ايها المسترشد البصير والمستكشف الخبير إِلى رَبِّكَ اى مربيك الذي رباك بأنواع الكمالات وهداك الى أعلى المراتب وارفع الدرجات كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ اى كيف مهد وبسط اظلال أوصافه وأسمائه وعكوس شئونه وتطوراته على مرايا الاعدام القابلة للتأثر فيتراءى فيها حسب اقتضاء أسمائه الحسنى وصفاته العليا ما لا يتناهى من الصور العجيبة والهياكل الغريبة حتى توهم المحجوبون الفاقدون بصر البصيرة وظنوا انها موجودات حقيقية متأصلة في الوجود مستقلة في الآثار المرتبة عليها ثم افترقوا فذهب قوم الى انها موجودات متأصلة مستقلة بأنفسها مستغنية عن فاعل خارجى يؤثر فيها الا وهم الدهريون القائلون بان الطبيعة تكفى في تكون الأشياء وإذا وجدت الشرائط وارتفعت الموانع تكون الشيء البتة بلا احتياج الى فاعل خارجى مؤثر في وجوده ولم يتفطنوا أولئك الحمقى العمى ان هذه الصور المرئية والاظلال المحسوسة والعكوس المتشعشعة اللامعة عن سراب العدم باقية على عدمياتها الاصلية ما شمت رائحة من الوجود سوى ان ظل الوجود قد انبسط عليها وانعكس منها وآخر الى انها موجودات حقيقية قديمة بالنوع لها صور ومواد قديمة محتاجة الى فاعل خارجى مؤثر موجب بمقارنة الصورة للمادة وهذا مذهب جمهور الحكماء وهؤلاء الهلكى القاصرون عن درك الحق ومعرفته لم يتنبهوا ايضا ان لا قديم في الوجود الا الله الواحد القهار لمطلق السوى والأغيار وآخر الى انها موجودات حقيقية قد ابدعها الله تعالى من العدم على حسب علمه وقدرته واختياره وارادته بلا وجوب شيء عليه في إيجادها وبلا سبق مادة ومدة عليها وهذا مذهب جمهور المتكلمين المليين وهؤلاء ايضا لم يتفطنوا ان العدم لا يقبل الوجود أصلا كما ان الوجود لا يقبل العدم قطعا إذ بينهما تناقض وتضاد حقيقى وتقابل ذاتى لا يتصف أحدهما بالآخر مطلقا ومنشأ توهم هؤلاء الفرق الثلاث اقتصار نظرهم على الصور المرئية ظاهرا وغفلتهم وذهولهم عن ذي الصورة الذي هي اى الصور المرئية والأشباح المحسوسة عكوس واظلال وآثار له ولو علموا ارتباط هذه الصور المرئية المعدومة بذي الصورة وكوشفوا بوحدة الوجود وشهدوا ان لا موجود الا الله الواحد القهار لجميع السوى والأغيار لم يبق لهم شائبة شك في عدمية هذه الصور المرئية كما لا شك لهم في عدمية الصور المرئية في المرايا والعكوس والاظلال المحسوسة في الماء. ومن لم يجعل الله نورا فماله من نور وَبالجملة لَوْ شاءَ وأراد سبحانه عدم انبساط عكس وجوده وإبقاء العدم على صرافته ولم يجعله مرآة لكمالات جود وجوده ولم يلتفت اليه ولم يتجل عليه لَجَعَلَهُ ساكِناً اى لجعل ظل وجوده مقبوضا غير مبسوط ولفنى العالم دفعة وزال وذهب ما فيه من الصور والأشباح لزوال اسبابها واربابها ثُمَّ أوضحنا هذا المد والبسط بمثال واضح من جملة المحسوسات عناية منا لعبادنا حيث جَعَلْنَا الشَّمْسَ حسب إضاءتها وإشراقها وانبساط نورها وشعاعها على ظلمة الليل المشابه بالعدم عَلَيْهِ اى على بسط الوجود على مرايا الاعدام دَلِيلًا أمثالا واضحا موضحا لكيفية امتداد اظلال الوجود وانعكاسها من العدم وذلك ان الشمس إذا أخذت في الإشراق وبسطت النور على الآفاق قد استنار العالم بعد ما كان مظلما وإذا غربت وقضبت عاد العالم على ظلمته التي كان عليها

ثُمَّ اى بعد قد بسطنا ظل وجودنا على هياكل المظاهر والموجودات قَبَضْناهُ إِلَيْنا دفعا لتوهم الشركة المنافية لصرافة

<<  <  ج: ص:  >  >>