للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَذِيرٌ مرسل من عند الله ينذرهم عما لا يعنيهم ويرشدهم الى ما يعنيهم لَيَكُونُنَّ في الإطاعة والانقياد للنبي النذير البشير أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ اى كل واحد منا اهدى وارشد من كل واحد واحد من النصارى واليهود وغيرهم من الأمم قد واثقوا عهودهم مع الله على ذلك فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وبشير اى نذير واى بشير هو أكمل من سائر المرسلين المبشرين المنذرين وأفضل منهم يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ما زادَهُمْ مجيئته وبعثته صلّى الله عليه وسلم إِلَّا نُفُوراً نفرة عن الحق واعراضا عن اهله وتباعدا عن قبول قوله ودعوته وانما أنكروا له واعرضوا عنه وعن دينه صلّى الله عليه وسلم

اسْتِكْباراً يعنى قد طلبوا بالإعراض والانصراف ان يظهروا ويحدثوا كبرا وخيلاء فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ يعنى قد طلبوا ان يمكروا به المكر السيئ واصل التركيب هذا فعدل الى صورة المضاف الى السيئ اتساعا تأكيدا ومبالغة والمكر السيئ عبارة عن كل عمل قبيح قد صدر عنهم او الشرك او ارادة قتله صلّى الله عليه وسلّم قال صلّى الله عليه وسلّم لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فان الله يقول وَلا يَحِيقُ اى لا يحل ولا يحيط الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ الا وهو الماكر فلحق وبال الشرك للمشركين وكذا وبال كل قبيح ومكروه عائد الى فاعله فَهَلْ يَنْظُرُونَ ما يمهلون وينتظرون أولئك المشركون يعنى اهل مكة خذلهم الله إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ يعنى سنة الله فيهم بان عذب سبحانه مكذبيهم ومصريهم على الإنكار والتكذيب وبعد ما قد ثبت في علم الله المحيط وكذا في لوح قضائه المحفوظ تعذيبهم فلا بد ان يقع حتما فَلَنْ تَجِدَ أنت يا أكمل الرسل لِسُنَّتِ اللَّهِ وهي نزول العذاب على المكذبين تَبْدِيلًا ان تعلق مشيته به وثبت في لوح قضائه إذ لا يبدل الحكم دونه سبحانه وَايضا لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا بان ينتقل عذاب المكذبين العاصين الى المصدقين المطيعين المنزهين عن العصيان والطغيان

أَينكرون سنة الله في الأمم الماضية الهالكة بتعذيب الله إياهم بسبب تكذيب الرسل والإنكار عليهم وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا بنظرة العبرة والاستبصار كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ القوم الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ مكذبين لرسلهم وَالحال انهم قد كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من هؤلاء المكذبين لك يا أكمل الرسل قُوَّةً وقدرة واكثر عددا وعددا وشوكة وأموالا واولادا وَمع ذلك ما كانَ اللَّهُ المتعزز برداء العز والعلاء المطلع على عموم ما جرى في ملكه من الأشياء لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ بان يفوت عنه شيء حقير او يعزب عن حضرة علمه المحيط ذرة يسيرة لا فِي السَّماواتِ اى العلويات وَلا فِي الْأَرْضِ اى السفليات وكيف يفوت عن خبرته سبحانه شيء إِنَّهُ في ذاته قد كانَ عَلِيماً لا يعزب عن حضرة علمه المحيط شيء قَدِيراً على اظهار ما في خزانة علمه بلا فترة وفتور وقصور وفطور

وَمن كمال علم الله على عباده ونهاية رأفته ورحمته معهم هذا لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ المطلع بجميع ما جرى في ملكه من الجرائم الموجبة للاخذ والانتقام النَّاسَ الذين كلفوا من عنده بترك الجرائم والآثام المانعة من الوصول الى المبدأ الحقيقي بِما كَسَبُوا وبشؤم ما اقترفوا لأنفسهم من المعاصي التي قد منعوا عنها ما تَرَكَ سبحانه البتة عَلى ظَهْرِها اى على ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ متحركة من المكلفين عليها غير مأخوذة بجرم بل بجرائم كثيرة عظيمة إذ قلما ما يخلو انسان عن طغيان ونسيان وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ اى يؤخر سبحانه أخذهم ويمهلهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معين مقدر للاخذ والانتقام ألا وهو يوم القيامة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الموعود المعين عند الله المعلوم له سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>