للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي هي محل الاختبارات الإلهية وانتقاماته فَيَنْظُرُوا بنظر العبرة والاستبصار ليبصروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المجرمين الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ مع انهم كانوا ذوى ثروة كبيرة ورئاسة عظيمة ووجاهة كاملة كيف دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ واستأصلهم بحيث لم يبق منهم على وجه الأرض احد وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها اى سيئول ويعود عاقبة هؤلاء الكفرة المعاندين معك يا أكمل الرسل إليها والى أمثالها بل الى أفظع منها وأشد البتة كل

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ المطلع على ضمائر عباده مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وتحققوا في مقر توحيده لذلك يواليهم وينصرهم على أعاديهم ويحفظهم عما لا يعنيهم وَأَنَّ الْكافِرِينَ المصرين على الكفر والعناد لا مَوْلى لَهُمْ لينصرهم ويدفع عنهم ما يرديهم وبالجملة

إِنَّ اللَّهَ العليم الحكيم يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ متنزهات من المعارف والحقائق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الجارية من العلوم اللدنية المنتشئة من منبع الوحدة الذاتية يتلذذون تلذذا معنويا حقيقيا وَالَّذِينَ كَفَرُوا بوحدة الحق وكمالاته المترتبة على شئونه وتجلياته يَتَمَتَّعُونَ بالحطام الدنيوية ويتلذذون باللذات البهيمية وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ ويتلذذون بلا شعور لها باللذة الاخروية وَبالآخرة النَّارُ المعدة المسعرة مَثْوىً لَهُمْ ومحل قرارهم واستقرارهم

وَكَأَيِّنْ اى كثيرا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى الهالكة هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً اى أهلها واكثر أموالا واولادا مِنْ اهل قَرْيَتِكَ الَّتِي قد أَخْرَجَتْكَ يا أكمل الرسل أهلها منها أَهْلَكْناهُمْ واستأصلناهم بسبب إخراجهم رسل الله من بينهم وتكذيبهم والاستكبار عليهم فَلا ناصِرَ لَهُمْ يظاهرهم او يدفع انتقامنا عنهم حين أخذنا إياهم فكذا انتقم عن هؤلاء المشركين المستكبرين عليك يا أكمل الرسل المخرجين إياك وقومك من بينهم ظلما وزورا يعنى مشركي مكة خذلهم الله ونغلب المؤمنين عليهم ونظهر دينك على كل الأديان وكيف لا ننصر ولا نظهر دينك

أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ حجة واضحة آتية له مِنْ رَبِّهِ مبينة له امر دينه كَمَنْ زُيِّنَ اى حبب وحسن لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ بلا مستند عقلي او نقلي بل وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ بمقتضى آرائهم الباطلة وأمانيهم الزائغة الزائلة بتغرير الشيطان واغوائه إياهم كلا وحاشا بل

مَثَلُ الْجَنَّةِ وشأنها العجيب الَّتِي قد وُعِدَ الْمُتَّقُونَ بها المجتنبون عن محارم الله المحترزون عن مساخطه على الوجه الذي بينهم الكتب وبلغهم الرسل الممتثلون بعموم ما أمروا من عنده سبحانه ونهوا عنه ايمانا واحتسابا عند ربهم هكذا لهم فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ هي العلوم اللدنية المحيية لهم بالحياة الازلية الابدية غَيْرِ آسِنٍ اى خالص عن كدر التقليدات والتخمينات الحادثة من مقتضيات القوى البشرية المنغمسة بالعلائق الجسمانية وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ من المحبة الذوقية والمودة الشوقية الإلهية المنتشئة من الفطرة الاصلية التي هم فطروا عليها في بدأ فطرتهم وظهورهم بحيث لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وذوقه بالميل الى الهوى والالتفات الى مزخرفات الدنيا وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ جذبة الهية وخطفة غيبية وشوق مفرط مسكر لهم محير لعقولهم من غاية استغراقهم بمطالعة جمال الله وجلاله بحيث لا يكتنه لهم وصفها لكونها من الأمور الذوقية الوجدانية التي لا يمكن التعبير عنها لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ حسب تفاوت اذواقهم ومواجيدهم وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ هي عبارة عن اليقين الحقي الذي لا شيء احلى منه وألذ عنه عند العارف المحقق المتحقق به مُصَفًّى عن شوب الاثنينية اللازمة لمرتبتى اليقين العلمي والعيني وَبالجملة لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ المستلزمة لانواع اللذات الروحانية وَاكبر من الكل

<<  <  ج: ص:  >  >>