للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيخرج من بنى إسرائيل رجل يستولى عليك ويستأصلك ومن معك وبعد ما سمع من الكاهن ما سمع صار يَسْتَضْعِفُ اى يضعف طائِفَةً مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل وقد بالغ في أضعافهم الى حيث يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ يعنى امر بشرطته ووكلائه ان يقتلوا من ولد منهم ذكرا لئلا يتقووا على قتاله ولم يحدث بينهم من أخبر به الكاهن وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ليتزوجهن القبط ظلما ويزداد ويلحق العار والصغار على بنى إسرائيل وبالجملة إِنَّهُ كانَ مِنَ أعظم الْمُفْسِدِينَ في الأرض يريد ان يظهر على الله بقتل ما أوجده سبحانه عتوا واستكبارا

وَبعد ما بالغ في الإفساد والفساد وتمادى في الجور والعناد زمانا نُرِيدُ بمقتضى جودنا وسعة رحمتنا أَنْ نَمُنَّ منة عظيمة عَلَى عبادنا الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ اى ارض العمالقة وهم بنوا إسرائيل الإسراء المظلومون في أيدي القبط وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وقدوة كراما كبراء عظماء اعزة متبوعين بعد ما كانوا اتباعا أذلاء صاغرين وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ من ظالميهم يرثون منهم ارضهم وديارهم وأموالهم

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ اى نقررهم ونوطنهم فِي الْأَرْضِ اى ارض مصر والشأم بعد ما كانوا مضطربين متزلزلين في أيدي العدو وَنُرِيَ بمقتضى قهرنا وجلالنا فِرْعَوْنَ المفرط في العتو والعناد وَظهيره هامانَ المفتخر على اهل الزمان بنيابته ووزارته وَجُنُودَهُما من القبط مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل ما كانُوا يَحْذَرُونَ منه وهو ظهور مولود منهم يذهب به دولة القبط وصار سببا لهلاكهم بالمرة

وَبعد ما ولد موسى وظهر من أراد به سبحانه زوال ملك فرعون واستوحشت امه من وقوف الشرطة عليه وقتله قد أَوْحَيْنا عناية منا إياه وإظهارا لحكمتنا المتقنة المثبتة في حضرة علمنا ولوح قضائنا وألهمنا حينئذ إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ مهما أمكنك ارضاعه واخفاؤه فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ من وقوفهم إياه ضعيه في التابوت فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ اى النيل وَلا تَخافِي من هلاكه وغرقه وَلا تَحْزَنِي من فراقه إِنَّا من وفور لطفنا وعطفنا إياه وإياك قد رَادُّوهُ إِلَيْكِ لتحصنه وتحفظه أنت الى وقت فطامه وكبره البتة وَبعد ما استوى وبلغ أشده ورشده جاعِلُوهُ مِنَ جملة الْمُرْسَلِينَ المؤيدين من لدنا بالوحي والإلهام وظهور انواع المعجزات والخوارق من يده وبعد ما قد تفرست امه بوقوف الشرطة وتجسسهم بعد ما أرضعته ثلاثة ايام وضعته في التابوت على الوجه المأمور والقته في اليم مفوضة امره الى الله المتكفل بحفظه فذهب البحر بتابوته الى حذاء دار فرعون فرآه من فيها

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فأخذوه وأخرجوه من اليم واحضروه وبعد ما كشفوا عنه ستره رأوا فيه وليدا في غاية الحسن والجمال بحيث تبهر عيون الناظرين اليه يمضغ إبهامه فلما رآه فرعون وامرأته وجميع من في بيته من الخدمة احبوه واعجبوا حسنه وصفاءه وبهاءه وقد ألقينا محبته في قلوبهم جميعا الى ان اتفقوا لحفظه غافلين عن مكرنا معهم لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً اى موجب حزن طويل وعداوة شديدة مستمرة وبالجملة إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ مجبولين موافقين على الخطأ في عموم أفعالهم وأعمالهم كأنهم مجسمون متخذون من الخطأ ومن جملته محافظة العدو الموجب لانواع العذاب والنكال الواقع عليهم في النشأة الاولى والاخرى

وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ آسية رضى الله عنها من كمال محبتها له وتحننها نحوه لفرعون مشيرة الى الوليد هذا قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ مثل أبناء بنى إسرائيل على ظن انه منهم بل نحفظه عَسى أَنْ يَنْفَعَنا اى رجاء ان ينفع بنا نفعا كليا

<<  <  ج: ص:  >  >>