للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في امر الحشر والنشر أَشَدُّ وأصعب خَلْقاً وإيجادا على سبيل الإعادة أَمِ السَّماءُ التي هي ارفع الابنية وأعلاها وأشدها نظاما وأقواها بنيانا والتياما إذ هو سبحانه بَناها بقدرته الكاملة واحسن بناءها بحيث

رَفَعَ سَمْكَها وسقفها بلا اعمدة وأسانيد وأسطوانات فَسَوَّاها وعدلها بلا قصور وفطور وبعد ما سواها كذلك قد أدارها وحركها على الاستدارة كذلك

وَقد رتب على حركاتها المددين حيث أَغْطَشَ واظلم لَيْلَها الحاصل من حركاتها وَأَخْرَجَ اى ابرز واظهر ضُحاها ضوء شمسها في النهار الحاصل من تلك الحركات

وَبعد ما رتبها كذلك قد خلق الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ اى بعد خلق السموات واعجب في خلقها بان دَحاها ومهدها اى بسطها لمن يسكن عليها ويستقر فيها وبعد ما بسطها كذلك

أَخْرَجَ مِنْها ماءَها حيث فجر فيها عيونا واجرى أنهارا وَاظهر وأنبت ايضا عليها مَرْعاها تقويتا لمن عليها وما عليها

وَقد رتب الْجِبالَ الطوال الثقال ايضا عليها حتى أَرْساها أحكمها وأثبتها وانما مهدها وبسطها وأنبت عليها وفجر منها لتكون

مَتاعاً لَكُمْ اى ترفها وتمتعا لكم عليها وَكذا لِأَنْعامِكُمْ ومواشيكم ايضا فإنها من لواحق معايشكم ومتمماتها وبعد ما قد فضلكم سبحانه ورباكم عليها بأنواع الخيرات والبركات قابلتموها بالجحود والنسيان فتربصوا

فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى اى فاذكروا الداهية العظمى التي هي عبارة عن قيام الساعة الموعودة واذكروا

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ فيه الْإِنْسانُ عموم ما سَعى واقترف في النشأة الاولى حيث يعطى لهم صحائف أعمالهم الماضية مفصلة فينظرون فيها ويتذكرون بها جميع ما صدر عنهم من الأعمال الصالحة والفاسدة فيجازون بمقتضاها

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ اى قد لاحت وظهرت الجحيم يومئذ لِمَنْ يَرى اى لكل من يتأتى منه الرؤية اى يظهر أمرها بحيث لا يخفى على احد. ثم قسم الناس حينئذ قسمين

فَأَمَّا مَنْ طَغى في النشأة الاولى

وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا اى اختار الحياة المستعارة الدنية الدنياوية ولوازمها من اللذات الوهمية والشهوات الفانية البهيمية على الحياة الاخروية وما يترتب عليها من اللذات اللدنية الباقية

فَإِنَّ الْجَحِيمَ المسعرة بنيران غضبهم وشهواتهم هِيَ الْمَأْوى لهم مقصور عليهم إذ لا مأوى سواها

وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ اى خاف عن قيامه بين يدي الله ووقوفه في المحشر للحساب وعرض الأعمال عليه سبحانه والجزاء عليها وَمع كمال خوفه وخشيته نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى اى قد كف نفسه عن مقتضياتها التي ترديها وتغويها

فَإِنَّ الْجَنَّةَ الموعودة لهم على لسان الكتب والرسل هِيَ الْمَأْوى اى مأواهم مقصور على الجنة وهم فيها ابدا خالدون ولا يتحولون الا الى ما هو اولى منها وأعلى درجة ومقاما من درجاتها ومقاماتها. ثم قال سبحانه

يَسْئَلُونَكَ يا أكمل الرسل عَنِ السَّاعَةِ ووقت قيامها الذي هو من جملة الغيوب التي لا نطلع أحدا عليها أَيَّانَ مُرْساها اى متى ارساؤها وإقامتها وأى آن إتيانها وقيامها عين لنا وقتها

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها اى أنت في أى شيء وشأن منها ان تذكر لهم وقتها او تعينها مع انا لا نطلعك على وقتها سوى انا قد أوحينا لك انيتها وثبوتها وتحقق قيامها فما لك الا تبليغ ما يوحى إليك بل

إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها اى منتهى علمها وتعيين وقتها انما هو مفوض الى حضرة علم الله موكول الى لوح قضائه

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها اى ما أنت الا نذير لم تبعث الا لإنذار الخائفين الموفقين على الخوف من أهوالها وافزاعها لا من المقدرين المعينين لوقتها وكيف يسع لك هذا التعيين والتقدير إذ هو من

<<  <  ج: ص:  >  >>