للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الا غرور وتلبيس إذ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ المستغنى عن الزمان والمكان المنزه ذاته عن سمة الحدوث والإمكان مِنْ شَيْءٍ إذ أمثال هذه الأفعال انما هي من لوازم الأجسام وأوصاف الإمكان وهو سبحانه على الوجه الذي وصفتم شأنه مقدس عن أمثاله وبالجملة إِنْ أَنْتُمْ اى ما أنتم إِلَّا تَكْذِبُونَ كذبا صريحا يعنى قد ظهر من دعواكم هذه وإسنادكم أمثال تلك الأفعال الى ربكم انه ما أنتم في دعواكم ومدعاكم هذا الا كاذبون مفترون على ربكم ما هو منزه عنه سبحانه وبعد ما قد تفطن منهم الرسل الإنكار والإصرار المؤكد

قالُوا في جوابهم ايضا على سبيل المبالغة والتأكيد تتميما لأمر التبليغ والرسالة رَبُّنا الذي قد أرسلنا إليكم بوحيه والهامه يَعْلَمُ بعلمه الحضوري إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ من عنده على مقتضى ارادته واختياره إذ لا يجرى في ملكه الا ما يشاء ولا يقع فيه الا ما يريد

وَمالنا شغل بايمانكم وقبولكم ولا بكفركم وطغيانكم بل ما عَلَيْنا بمقتضى وحى الله إلينا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ اى التبليغ الصريح والبيان الواضح الموضح للرسالة بلا فوت شيء منها وتقصير وتهاون منا بأدائها وامر اهتدائكم وايمانكم انما هو مفوض اليه سبحانه وفي مشيته لا علم لنا به وبعد ما سمعوا من الرسل المبالغة والتأكيد انصرفوا عن المقاولة نحو التهديد بالقتل والرجم حيث

قالُوا متطيرين متشأمين من نزولهم ومجيئهم مستبعدين دعوتهم منكرين لها إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ اى قد تشأمنا بقدومكم إذ منذ قدمتم ما نزل القطر علينا فاخرجوا من ارضنا وارجعوا الى أوطانكم سالمين وانتهوا عن دعوتكم هذه ولا تتفوهوا بها بعد والله لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن هذياناتكم ومفترياتكم لَنَرْجُمَنَّكُمْ البتة بالحجارة وَبالجملة لو لم تنتهوا ولم تكفوا عما أنتم عليه من دعوى الرسالة لَيَمَسَّنَّكُمْ وليحيطن عليكم مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ وبعد ما سمعتم ايها الغرباء كلامنا هذا فعليكم الإصغاء والقبول والعمل بمقتضاه والا فقد لحق بكم ما لحق من المكروهات التي سمعتم

قالُوا اى الرسل بعد ما سمعوا منهم وتفرسوا بغلظتهم وتشددهم في الإنكار والجحود طائِرُكُمْ مَعَكُمْ اى سبب شؤمكم انما هو من انفسكم وبسوء صنيعكم وأعمالكم أَلم تنتهوا ولم تتفطنوا انكم إِنْ ذُكِّرْتُمْ وقبلتم قولنا واتصفتم بما ذكرنا من الايمان والتوحيد لم يلحقكم شيء من المكروه ومتى لم تتعظوا ولم تتصفوا قد لحقكم ما لحقكم من القحط وعدم القطر وسيلحقكم أشد منه بشؤم انفسكم وبالجملة مجاوزون عن الحد في العناد والإلحاد عن سبل الهداية والرشد وايضا من كمال اسرافكم وافراطكم قد تطيرتم بدين الله وبدعوة رسله اليه

وَبعد ما سمعوا من الرسل ما سمعوا صمموا العزم الى قتلهم واجتمعوا لرجمهم وانتشر الخبر بين اهل المدينة وسعى من يسمع نحوهم حتى جاءَ حينئذ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ من السامعين وهو حبيب النجار وكان مؤمنا موحدا يعبد الله وكان قد لقى له الرسولان الأولان حين دخلا المدينة أولا فسلم الحبيب عليهما وتكلم معهما فقال لهما من أنتما قالا نحن رسولا عيسى النبي عليه السلام انما أرسلنا إليكم لندعوكم الى توحيد الحق وننقذكم عن عبادة الأوثان فقال أمعكما آية قال نشفى المريض ونبرئ الأكمه والأبرص فجاء بابنه المريض منذ سنين فمسحاه فقام الابن سالما فآمن لهما وصدقهما وانفصل عنهما مؤمنا واشتغل بعبادة الله فدخلا البلد واظهر الدعوة لأهلها وأنكروا عليهما واجتمعوا بقتلهما فأخبر الحبيب بذلك فجاء على الفور حال كونه يَسْعى ويذهب سريعا فلما وصل المجمع ورآهم مجتمعين عليهما فسألهما على رؤس الملأ من أنتما قالا رسولا عيسى ندعوكم الى توحيد الحق قال هل تسألان الأجر والجعل لرسالتكما قالا

<<  <  ج: ص:  >  >>