للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيفيها الا من يذوقها لا يظمأ منها ابدا ولا يروى سرمدا ولا نخرج نشوتها عنه ابدا بل يطلب دائما مزيدا إذ

لا فِيها غَوْلٌ اى غائلة خمار وصداع يترتب عليها كما يترتب على خمور الدنيا وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ يسكرون الى حيث تذهب عقولهم وتفسد أمزجتهم وتختل خواطرهم وينسون مطالبهم ويضلون عن مقاصدهم كما في خمر الدنيا بل يزيد منها شوقهم وذوقهم ويتكامل طلبهم

وَعِنْدَهُمْ من الأزواج المزدوجة معهم المقبولة عندهم قاصِراتُ الطَّرْفِ عليهم مقصورات النظر إليهم لا يلتفتن الى غيرهم عِينٌ حسان الأعين متناسب الحواجب والأجفان والاماق

كَأَنَّهُنَّ في صفاء البدن وبياضه بَيْضٌ مَكْنُونٌ مصون محفوظ عن الغبار مخلوط بادنى صفرة كلون الفضة وهو احسن ألوان جسد الإنسان وبعد ما يشربون من المعين وشملتهم الكيفية أخذوا يتحدثون

فَأَقْبَلَ والتفت بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ويتقاولون عما جرى عليهم في نشأة الدنيا وكذا عما ادخروا فيها للنشأة الاخرى من المعارف والحقائق والأعمال والأحوال والمواجيد والأخلاق والعبر والأمثال

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ على سبيل التذكير والتحاكى عن انكار المنكرين ليوم البعث والنشور إِنِّي قد كانَ لِي قَرِينٌ في دار الدنيا منكر لهذه النشأة وانا معتقد لها منتظر لقيامها

يَقُولُ لي يوما على سبيل النصح مستنكرا مستبعدا أَإِنَّكَ ايها المجبول على فطرة الدراية والشعور لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ المعتقدين الموقنين

أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً تعتقد أنت وتصدق أَإِنَّا لَمَدِينُونَ اى مجزيون بأعمالنا التي قد كنا نعمل مسئولون عنها محاسبون عليها كلا وحاشا ما حياتنا الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين في النشأة الاخرى ثم

قالَ لقرنائه في الجنة مستفهما عن حال قرينه المنكر للبعث هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ يعنى هل أنتم تريدون وتطلبون ايها المسرورون في الجنة ان تطلعوا على حال ذلك القرين في النار قالوا له أنت أحقنا بالاطلاع على حاله منا إذ هو مصاحبك وقرينك

فَاطَّلَعَ هو بعد ما نظر وابصر من الكوى التي فتحت في الجنة نحو النار فَرَآهُ اى قرينه المنكر مطروحا فِي سَواءِ الْجَحِيمِ اى وسطه معذبا بأنواع العذاب والنكال

قالَ له بعد ما رآه في النار مقسما على سبيل التأكيد والمبالغة تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ يعنى والله انك ايها الجاهل المفرط قد قاربت من إهلاكي باغرائك واغوائك ونصحك الى وتذكيرك على بما يدل على انكار البعث وتكذيب يوم الجزاء واستدلالك على استحالته

وَبالجملة لَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي وتوفيقه إياي بالعصمة والثبات على عزيمة الايمان والتوحيد لَكُنْتُ مثلك مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك في وسط الجحيم يعنى كنت انا ايضا من جملة اهل النار مثلك ثم أخذ يباهى ويفتخر على قرينه بالنعيم المقيم واللذة المستمرة بلا طريان موت وعروض عذاب فقال مستفهما

أَتعلم ايها المفسد المفرط انا في الجنة مخلدون منعمون فَما نَحْنُ ابدا بِمَيِّتِينَ مائتين متحولين عنها بل لا موت لنا فيها ابد الآبدين

إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي قد متنا عن الدنيا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أصلا أمثالكم

إِنَّ هذا الخلود والتنعم والسرور بلا طريان ضد عليه لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والكرم الجسيم من الله العلى الحكيم إيانا ثم قيل من قبل الحق ترغيبا للمؤمنين على الطاعات وحثا لهم على الإتيان بالأعمال الصالحات وتطييبا لقلوبهم بترتب هذه الحسنات على أعمالهم وأخلاقهم ومواجيدهم وحالاتهم وبالجملة

لِمِثْلِ هذا الفوز العظيم والنوال الكريم فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ في النشأة الاولى لا للحظوظ الفانية واللذات الزائلة الدنياوية المستتبعة لانواع الآلام والحسرات. ثم قال

<<  <  ج: ص:  >  >>