للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عرصة اهل الوحدة وجنة التوحيد مَذْؤُماً حال كونك حاملا للمذمة والمذلة مَدْحُوراً مطرودا مستوجبا للعنة مستحقا بها وافعل بهم ما شئت والله لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ بعد ما أظهرتهم على صورتي وكرمتهم بكرامتي على جميع خليقتي ونفخت فيهم من روحي وتجليت عليهم بعموم أوصافي وأسمائي وأرسلت إليهم رسلي وانبيائى وأنزلت عليهم كتبي لتبيين طريق توحيدي ولا سيما قد نبهت لهم عداوتك وتضليلك إياهم ووسوستك عليهم وبالغت في تخويفهم عنك وعن اغرائك وتغريرك عليهم بما يذلهم ويغويهم ويزيلهم عن صراط توحيدي وجادة هدايتي لأطردنهم البتة عن عز حضورى واخرجنهم عن جنة سروري واعلموا يا بنى آدم انى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ البعد وسعير الخذلان مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ان اتبعتم عدوى وعدوكم إبليس فعليكم ان تجتنبوا عن غوائله

وَبعد ما طرد سبحانه إبليس بشؤم ما امتنع من تكريم آدم قال سبحانه لآدم ابتلاء له واختبارا وتوصية له بحفظ مرتبته مناديا له على سبيل الترحم يا آدَمُ المكرم المسجود اسْكُنْ أَنْتَ بمتابعة عقلك الموهوب لك المفاض من العقل الكل الذي هو حضرة علمنا وَزَوْجُكَ بمتابعة نفسها الفائضة عليها من النفس الكلية التي هي حضرة قدرتنا الْجَنَّةَ التي هي مقر اهل التوحيد ومنزل ارباب الولاء والتجريد من الواصلين الفائزين بشرف القبول والوصول فَكُلا منها مِنْ حَيْثُ شِئْتُما واحظظا من لذاتها الروحانية من حقائقها ومعارفها وشهوداتها وكشوفاتها وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ التي هي من اغذية انفسكم الامارة ومن اهوية هوياتكم البهيمية التي بها بعدكم وافتراقكم عن الله تعالى وانحرافكم عن طريق توحيده فَتَكُونا بتقربها وتناولها مِنَ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الأمر والحكم الإلهي المستحقين لطرده ومقته

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ اى أوقعهما في الدغدغة بأمر الشجرة وان كان وسوسته ايضا من مقتضيات الحكمة المتقنة الإلهية بعد ما وصاهما الحق سبحانه ونهاهما عنه وليس غرضه الا نزع لباس الصيانة والتقوى عنهما لِيُبْدِيَ اى يظهر لَهُما ما وُورِيَ اى غطى وستر عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما التي هي من مقتضيات بشريتهما ومن نتائج هويتهما الباطلة وَبعد ما اشربهما الوسوسة واثرت فيهما قالَ على وجه الشفقة والنصيحة وارادة الخير ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ المباركة المزيحة عنكم لوث بشريتكم إِلَّا كراهة أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ بتناولها أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ فيها

وَبعد ما نصحهما واشفقهما وسمعا منه ما سمعا قاسَمَهُما اى بادر الى القسم تأكيدا وترويجا لقوله إياهما ونصحه لهما قائلا والله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ المشفقين المريدين خيركما

وبالجملة فَدَلَّاهُما اى اسقطهما عن معالى العز الى مهاوي الذل بِغُرُورٍ قد غرهما به على وجه الانتقام فَلَمَّا سمعا قوله وقبلا غروره ذاقَا الشَّجَرَةَ مطمعين على ما اغريهما من الشرف والخلود وبعد ما ذاقا منها بَدَتْ وظهرت لَهُما سَوْآتُهُما عوراتهما إذ قد نزع عنهما لباس التقوى وثياب العصمة أولا وَبعد ما نزع لباسهما وظهر سوآتهما طَفِقا وأخذا يَخْصِفانِ يلصقان ويلزقان عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ اى أشجارها قيل هي التينة وقيل الكرمة وَبعد ما بدى منهما ما بدى ناداهُما رَبُّهُما موبخا مقرعا أَلَمْ أَنْهَكُما ايها المسرفان المفسدان عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَالم أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ المضل المغوى لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة شديد الخصومة ولا تسمعا قوله ولا تتبعا امره

ثم لما سمعا من ربهما ما سمعا قالا متضرعين متذللين معترفين على زلتهما رَبَّنا يا من ربانا على فطرة الهداية والرشد قد ظَلَمْنا

<<  <  ج: ص:  >  >>