للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحق يعنى بعد ما أنجاهم وأخلصهم من الضر المزعج ومن آثاره ولوازمه المستتبعة رَحْمَةً خلاصا لهم وعطفا إياهم ناشئا من لدنه سبحانه بمقتضى اللطف والجمال إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ اى فاجأ فريق منهم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ اى يشركون بربهم وينسبون الكشف والتفريج الى الأسباب والوسائل العادية بل الى ما اتخذوها وأخذوها من دون الله من الآلهة الباطلة التي اعتقدوها شفعاء ينقذونهم عن أمثاله عدوانا وظلما وانما فعلوا ذلك ونسبوا ما نسبوا الى الاظلال الباطلة

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وأعطيناهم من النعم العظام والفواضل الجسام ولم يشكروا لها وما ذلك الا من خبث طينتهم وتركب جهلهم المركوز في جبلتهم قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا فَتَمَتَّعُوا ايها الكافرون لنعمنا وفواضل لطفنا وكرمنا وتعيشوا بها بطرين مسرورين هكذا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة تمتعكم وكفرانكم وما يترتب عليهما من انواع العذاب والنكال إذ سيأتى عليهم زمان يعترف كل منهم جميع ما جرى عليه من الكفران والعصيان وقت رؤيتهم احوال الكافرين واهوالهم في النار

أَمْ أَنْزَلْنا يعنى بل قد أنزلنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً ملكا ذا سلطنة وسطوة فَهُوَ يَتَكَلَّمُ معهم ويذكرهم بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ اى بجميع ما صدر عنهم من الشرك والكفران وانواع الفسوق والعصيان بلا فوت شيء منها فنجازيهم حينئذ بمقتضى ما اعترفوا

وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً وأعطيناهم نعمة وسعة في الرزق وصحة في الجسم على الترادف والتوالي فَرِحُوا بِها وافرطوا في السرور الى ان بطروا وباهوا مفتخرين بما عندهم من الأسباب وَإِنْ تُصِبْهُمْ أحيانا سَيِّئَةٌ مثل جدب وعناء ومصيبة وبلاء تسؤهم مع انه انما أصابهم ما أصابهم بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وبشؤم ما اقترفوا من المفاسد والمعاصي الموجبة للبطش والانتقام فانتقمناهم لذلك إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ يعنى فاجؤا حين البأس على اليأس والقنوط منا بحيث لا يتوجهون إلينا لكشفها وتفريجها بل لا يعتقدون قدرتنا على كشفها ورفعها مع انهم قد جربوا كشفنا عنهم مرارا وتفريجنا إياهم تكرارا

أَينكرون قدرتنا أولئك المنكرون المفرطون وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ القادر المقتدر على انواع اللطف والكرم كيف يَبْسُطُ ويفيض الرِّزْقَ الصوري والمعنوي لِمَنْ يَشاءُ بسطه إياه وَكيف يَقْدِرُ ويقبض عمن يشاء قبضه عنه حسب حكمته المتقنة إِنَّ فِي ذلِكَ القبض والبسط لَآياتٍ دلائل واضحات وشواهد لائحات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بتوحيد الحق وبكمالات أسمائه وأوصافه الذاتية الكاملة الجارية آثارها على مقتضى الحكمة والعدالة الإلهية المعبر عنها بالصراط القويم والقسطاس المستقيم وبعد ما قد أشار سبحانه الى بسط الرزق على من يشاء وقبضه عمن يشاء ارادة واختيارا أراد ان يشير الى مصارفه فقال مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم إذ هو جدير بأمثال هذه الخطابات العلية الإلهية

فَآتِ وأعط يا أكمل الرسل من فواضل ما رزق لك من النعم ذَا الْقُرْبى المنتمين إليك من قبل أبويك حَقَّهُ اى ما يليق به وبحفظه ورعاية غبطته فهم اولى وأحق بالرعاية من غيرهم وَبعد أولئك فالاولى بالرعاية الْمِسْكِينَ وهو الذي قد اسكنه الفقر في هاوية الهوان وزاوية الحرمان وَبعده ابْنَ السَّبِيلِ وهم الذين فارقوا عن الأموال والأوطان والأقران والخلان والاخوان بأسباب قد أباحها الشرع لهم ذلِكَ الصرف المذكور والانفاق المأمور خَيْرٌ في الدنيا والآخرة لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ بأموالهم وصرفها وَجْهَ اللَّهِ وابتغاء مرضاته وخوضا في مواظبة

<<  <  ج: ص:  >  >>