للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَيْسَ اللَّهُ القدير العليم بِكافٍ عَبْدَهُ المتوكل عليه المفوض امره اليه ليكفيه ما ينفعه ويكف عنه ما يضره وَهم من جهلهم بالله وبكمال علمه وقدرته يُخَوِّفُونَكَ يا أكمل الرسل يعنى قريشا بِالَّذِينَ اى بأصنامهم الذين يدعونهم آلهة مِنْ دُونِهِ سبحانه جهلا وعنادا ويقولون لك على سبيل النصح لا تذكر آلهتنا بسوء فانا نخاف عليك ان يخبلوك ويفسدوا عقلك وما ذلك الا من نهاية جهلهم بالله وغوايتهم عن طريق توحيده وَبالجملة مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بمقتضى قهره وجلاله فَما لَهُ مِنْ هادٍ

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ إذ هو سبحانه فاعل على الإطلاق بالاختيار والاستحقاق لا يجرى في ملكه الا ما يشاء أَلَيْسَ اللَّهُ العليم القدير بِعَزِيزٍ غالب على امره ذِي انْتِقامٍ شديد على من أراد انتقامه من أعدائه. ثم أشار سبحانه الى توضيح دلائل توحيده تعريضا على المشركين وتسجيلا على غوايتهم وغباوتهم فقال مخاطبا لحبيبه

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يا أكمل الرسل يعنى كفار قريش مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات وما بينهما من الممتزجات ومن أوجدها وأحدثها واظهر ما فيها من العجائب والغرائب لَيَقُولُنَّ البتة اللَّهُ المتفرد بالخلق والإيجاد المتوحد بالالوهية والربوبية إذ لا يسع لهم العدول عنه لغاية ظهوره قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما سمعت قولهم هذا إلزاما وتبكيتا أَفَرَأَيْتُمْ وابصرتم عيانا او سمعتم بيانا ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى من هؤلاء المعبودات الباطلة التي أنتم تدعونها آلهة سوى الله شركاء معه في أخص أوصافه الهم قوة المقاومة وقدرة المخاصمة معه سبحانه مثلا إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ وجرى حكمه على ان يمسني بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ اى آلهتكم هذه كاشِفاتُ ضُرِّهِ سبحانه عنى على سبيل المعارضة أَوْ أَرادَنِي الله بِرَحْمَةٍ فائضة من عنده علىّ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ حيث يمنعونها عنى ويدفعون وصولها الى وبعد ما بهتوا وسكتوا عند سماع هذه المقالة نادمين قُلْ لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض التوحيد واليقين خاليا عن امارات الريب والتخمين حَسْبِيَ اللَّهُ الواحد الأحد الكافي لمهام عموم الأنام الرقيب عليهم في جميع حالاتهم إذ عَلَيْهِ لا على غيره من الوسائل والأسباب العادية يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ المؤمنون المفوضون أمورهم كلها اليه حيث يتخذونه وكيلا ويعتقدونه كافيا وكفيلا

قُلْ لهم ايضا على سبيل التوبيخ والتهديد يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على حالكم وشأنكم ما شئتم من الأعمال إِنِّي عامِلٌ ايضا على مكانتى وحالي ما شئت فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مآل ما تعملون وغايته واعلموا ان

مَنْ يَأْتِيهِ منا ومنكم عَذابٌ يُخْزِيهِ ويرديه في الدنيا وَهو دليل على انه يَحِلُّ عَلَيْهِ ويلحق به في الآخرة عَذابٌ مُقِيمٌ دائم مؤبد مخلد فتربصوا حتى يأتى الله بامره ونحن نتربص ايضا. ثم قال سبحانه على وجه العظة والتأديب لحبيبه صلّى الله عليه وسلم

إِنَّا من مقام عظيم جودنا قد أَنْزَلْنا عَلَيْكَ يا أكمل الرسل الْكِتابَ الجامع المشتمل على عموم مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم لتكون أنت هاديا لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ مبلغا لهم جميع ما فيه من الوعد والوعيد فَمَنِ اهْتَدى ووفق على قبول ما فيه من الأوامر والنواهي فَلِنَفْسِهِ اى نفع هدايته واهتدائه عائد الى نفسه وَمَنْ ضَلَّ ايضا فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ويلحق وبال ضلالها كذلك وَبعد ما وضح الأمر لديك لا تتعب نفسك في هدايتهم إذ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ضمين لهدايتهم وتكميلهم بل ما عليك الا البلاغ وعلينا الحساب وكيف لا يكون حساب العباد على الله ولا يكون في قبضة

<<  <  ج: ص:  >  >>