للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرته سبحانه إذ

اللَّهُ المستوي على عروش عموم ما ظهر وبطن بالاستيلاء التام والقدرة الكاملة الشاملة يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ويقطع حبل إمداده عليه حسب النفس الرحمانى حِينَ مَوْتِها اى حين تعلق ارادته سبحانه بقطع علقة إمداده عنها وإرجاعها الى ما كانت عليه من العدم وَكذا يتوفى الأنفس الَّتِي لَمْ تَمُتْ بعد اى لم يحكم عليها بقطع العلقة والإمداد عنها فِي مَنامِها اى يفرق ويفصل عنها ما هو مبدأ الآثار والأفعال وما يترتب عليها من التمييز والشعور من القوى والآلات بحيث يبقى رمق منها فيها فَيُمْسِكُ ويقبض سبحانه بعد الفصل والتوفي الأنفس الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ في سابق قضائه وحضرة علمه وَيُرْسِلُ الْأُخْرى ويعيدها الى أبدانها مرة بعد اخرى ويمهلها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معين مقدر عنده بقطع الإمداد والارتباط. وعن المرتضى الأكبر الأكرم كرم الله وجهه يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح الى جسده بأسرع من لحظة ولهذا قيل ان أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله فإذا أرادت الرجوع الى الأجساد امسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء الى أجسادها وبه ورد الحديث صلوات الله على قائله إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فانه لا يدرى ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك ارفعه ان أمسكت نفسي فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين إِنَّ فِي ذلِكَ التوفي والفصل والإمساك والإرسال لَآياتٍ ودلائل واضحات وشواهد لائحات على قدرة الصانع الحكيم القدير العليم لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في مقدوراته سبحانه ويشاهدون آثار قدرته عليها ويعتبرون منها وبعد ما سمع قريش كمال قدرة الله واستقلاله بالتصرفات الواقعة في ملكه وملكوته حسب ارادته واختياره ينبغي لهم ان يوحدوه سبحانه ويتخذوه وكيلا ويجعلونه حسيبا وكفيلا ومع ذلك لم يتخذوه ولم يوحدوه

أَمِ اتَّخَذُوا بل أخذوا من تلقاء أنفسهم مِنْ دُونِ اللَّهِ اولياء من الأصنام والأوثان ظلما وزورا وسموه شُفَعاءَ عنده سبحانه لذلك يعبدونهم كعبادته قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا أَوَلَوْ كانُوا اى أتتخذونهم شفعاء ايها الحمقى وتستشفعون منهم وتعبدون لهم ولو كانوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً من جلب النفع ودفع الضر وَلا يَعْقِلُونَ ولا يدركون مقاصدكم أصلا وبالجملة ما عبادتكم هذه إياهم الا وهم باطل وزور ظاهر بل خروج عن مقتضى العقل الفطري والفطنة الجبلية

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد لاح دونك غيهم وغباوتهم على وجه العظة والتذكير لعلهم يتنبهوا لِلَّهِ الواحد الأحد المحيط بالكل الشَّفاعَةُ جَمِيعاً اى مطلق الشفاعة مختصة لله مستندة اليه اصالة كائنة ناشئة فائضة من عنده بحيث لا يسع لاحد من اهل العناية ان يشفع بمجرم عنده سبحانه الا باذنه وكيف لا يكون كذلك إذ لَهُ وفي قبضة قدرته مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى عموم ما ظهر من العلويات والسفليات وما بينهما من الممتزجات فله التصرف فيها بالاستقلال والاختيار بلا مزاحمة أنداد واغيار ثُمَّ لو وقعت شفاعة من احد ممن اذن له الرحمن ورضى له قولا فإنما هي آئل ايضا اليه سبحانه إذ إِلَيْهِ لا الى غيره من العكوس والاظلال تُرْجَعُونَ رجوع الأضواء الى الشمس والأمواج الى البحر

وَمن شدة قساوة المشركين وجهلهم بالله إِذا ذُكِرَ اللَّهُ الواحد الأحد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية وَحْدَهُ على ما كان عليه بلا مشاركة احد معه في الثبوت والوجود اشْمَأَزَّتْ اى انقبضت وضاقت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>