للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلٌّ منكم ومنهم بشؤم ما اقترفتم فِيها خالِدُونَ مخلدون معذبون دائما

لَهُمْ فِيها اى لأهل النار في النار زَفِيرٌ تنفيس شديد وأنين طويل وَهُمْ فِيها من شدة الأهوال والافزاع لا يَسْمَعُونَ اى لا يسمع كل منهم أنين الآخر وحنينه من شدة فزعه وهوله. ثم لما نزل هذه الآية اعترض ابن الزبعرى بان عزيرا وعيسى والملائكة من المعبودين فهم ايضا في النار مع انهم من الأنبياء والملك وهم محفوظون منها على زعمكم نزل بعده

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ عناية مِنَّا الخصلة الْحُسْنى والمنزلة السنيا والدرجة العليا والجنة المأوى أُولئِكَ السعداء المخصوصون بمزيد لطفنا وجودنا عَنْها اى عن النار مُبْعَدُونَ لسبق رحمتنا إياهم وعفونا عنهم

بحيث لا يَسْمَعُونَ من غاية البعد منها حَسِيسَها اى صوتها الخفى كدوي النحل مع ان أهلها يصرخون فيها ويفزعون في غاية الشدة ولا يصل إليهم لغاية بعدهم عنها وَهُمْ كيف يسمعون حسيس النار مع انهم مترفون متنعمون في الجنة فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ من اللذات الروحانية والمشتهيات النفسانية عناية من الله إياهم خالِدُونَ دائمون مستمرون فيها بلا طريان ضد وعروض منافر وكيف يسمعون ويحزنون أولئك الآمنون من حسيس النار مع انهم من فرط فرحهم وسرورهم

بحيث لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وهو وقت النفخة الاخيرة في الصور مع انها في نهاية الهول وغاية الفظاعة وإذا لم يشوشهم تلك الهائلة الفظيعة العامة فكيف الحسيس وَبعد دخولهم في الجنة الموعودة لهم تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ مسلمين مرحبين مهنئين إياهم قائلين لهم هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي قد كُنْتُمْ تُوعَدُونَ به في نشأتكم الاولى ايها المؤمنون الآمنون الفائزون فأنتم فيها قد كنتم تؤمنون بها فالآن قد نلتم بما آمنتم وفزتم بما أرسلتم

اذكر يا أكمل الرسل يَوْمَ نَطْوِي ونلف السَّماءَ المبسوطة المنشورة كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ اى طيا مثل طي الصحيفة الحافظة الحارسة للمكتوب فيها يعنى نلفها لفا بعد ما قد نشرناها نشرا بحيث لا يبقى لها اسم ولا رسم إذ طي الكتاب كناية عن نسيان الشيء واعدامه وعدم تذكره بالمرة وبالجملة كَما بَدَأْنا وأبدعنا العالم أَوَّلَ خَلْقٍ وإيجاد من العدم بلا سبق مادة ومدة نُعِيدُهُ عليه كذلك بحيث صار كان لم يكن موجودا أصلا وقد كان اعدامه كذلك وَعْداً صادرا منا لازما عَلَيْنا إنجازه إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ذلك الموعود المعهود من لدنا البتة انجازا وإيفاء

وَكيف لا نفنيه ولا نعدمه مع انا لَقَدْ كَتَبْنا وأثبتنا فِي الزَّبُورِ اى في عموم الزبر والكتب المنزلة من لدنا مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ اى بعد الحضور والثبوت في حضرة علمنا المحيط ولوح قضائنا المبرم أَنَّ الْأَرْضَ اى ارض الجنة المعدة لأهل المحبة والولاء ومستقر ارباب العناية والبقاء. اعلم ان لكل نفس من النفوس البشرية ارض معدة في فضاء الجنة انما وصلوا إليها بالإيمان والأعمال الصالحة المقربة لهم في الحق فمتى لم يتصفوا بالإيمان والمعارف والتوحيد لم يصلوا إليها وإذا لم يصلوا إليها بسبب كفرهم وظلمهم يَرِثُها من الكفار أماكنهم المعدة لهم فيها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ المقبولون عندنا المتصفون بشعائر التوحيد والايمان العارفون بمعالم الدين ومسالك العرفان المرضيون الراضون بعموم ما جرى عليهم من قضائنا مزيدا على حصصهم التي قد كانت لهم فيها

إِنَّ فِي هذا اى ما ذكر في القرآن من المواعظ والتذكيرات والرموز والإشارات لَبَلاغاً وتبليغا بليغا الى أقصى مراتب التوحيد لِقَوْمٍ عابِدِينَ عارفين بمسالك اليقين واماراته

وَلما كان هذا الكتاب هاديا لعموم البرايا الى أعلى مدارج التوحيد لذلك ما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل

<<  <  ج: ص:  >  >>