للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من انانيتك ادْخُلِ الْجَنَّةَ اى فضاء الوحدة التي لا فيها وصب ولا نصب ولا عناء ولا تعب فخرج وانخلع فدخل على الفور واتصل ثم بعد ما وصل الى ما وصل قالَ متمنيا متحسرا لقومه بعد ما قد لحق بفضاء الوصال يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ

بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وانكشف علىّ وجذبني نحوه بعد ما ستر عنى انانيتى ومحا منى هويتى وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ المكرمين الآمنين الفائزين المستبشرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وبعد ما قتلوه ظلما وعدوانا ورفعناه مكانا عليا عناية منا إياه وأدخلناه في جنة وحدتنا مغفورا ومسرورا وكشفنا عنه غطاءه كشفا كليّا شوقيا وذوقيا شهوديا قد أخذنا في انتقام قومه منه فأهلكناهم بصيحة واحدة قد صاح بها جبرائيل عليه السلام بأمرنا إياه

وَبالجملة ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ اى قوم الحبيب وهم اهل انطاكية مِنْ بَعْدِهِ اى بعد قتله لننتقم عنهم لأجله مِنْ جُنْدٍ مِنَ جنود السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ اى وما ثبت منا وما جرى في لوح قضائنا إنزال الملائكة لإهلاكهم كما جرت سنتا لإهلاك سائر الأمم الهالكة بل

إِنْ كانَتْ اى ما كانت علة إهلاكهم وهلاكهم من قبلنا إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً او ما وقعت وصدرت منا لإهلاكهم وهلاكهم الا صيحة واحدة على القراءتين بالرفع والنصب وذلك انا بمقتضى قهرنا وجلالنا قد أمرنا جبرائيل عليه السلام بان يأخذ بعضادتي باب مدنيتهم فأخذ وصاح عليهم مرة واحدة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ اى فاجؤا جميعا على الخمود والجمود وبعد ما سمعوا الصيحة الهائلة صاروا كالرماد بعد ما كانوا احياء كالنار المشتعلة الساطعة. ثم قال سبحانه من قبل عصاة عباده المأخوذين بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام

يا حَسْرَةً وندامة وكآبة عظيمة وحزنا شديدا عَلَى الْعِبادِ المصرين على العناد بعد ما عاينوا العذاب الدنيوي والأخروي النازل عليهم حتما بسبب انكارهم على الرسل والمرسل جميعا وتكذيبهم بجميع ما جاءوا به من عند ربهم وليس لهم حينئذ قوة المقاومة والمدافعة لذلك صاروا حيارى سكارى هائمين متحسرين بلا ناصر ومعين وشفيع حميم من رسول ونبي كريم إذ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ في نشأتهم الاولى يصلح أحوالهم وأعمالهم لئلا يترتب عليها الوبال والنكال الموعود في النشأة الاخرى إِلَّا كانُوا من غاية كبرهم وخيلائهم بِهِ اى بالرسول المصلح المرشد لهم يَسْتَهْزِؤُنَ ويستحقرونه ويستنكفون عن قبول دعوته ودينه وينكرون عليه كهؤلاء المسرفين المشركين معك يا أكمل الرسل

أَيستهزؤن معك يعنى اهل مكة وينكرون بدينك وكتابك لَمْ يَرَوْا اى لم يخبروا ولم يعلموا كَمْ أَهْلَكْنا اى كثرة إهلاكنا واستئصالنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الماضية ولم يعتبروا مما جرى عليهم بشؤم تكذيبهم وانكارهم على رسله مع أَنَّهُمْ اى الأمم الهالكة السالفة إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ اى لا يرجعون الى هؤلاء المفسدين المسرفين في تكذيبك وإنكارك يا أكمل الرسل في نشأتهم هذه بل مضوا وانقرضوا الى حيث لم يعودوا الى ما كانوا وهؤلاء ايضا سينقرضون هم وأثرهم فلم لم يتنبهوا ولم يعتبروا مما جرى عليهم مع انهم ان أخذوا هؤلاء ايضا أمثالهم صاروا كأن لم يكونوا شيأ مذكورا أمثالهم

وَبالجملة إِنْ كُلٌّ اى ما كل من الفرق والأحزاب المنقرضة عن الدنيا على التعاقب والترادف مردودين إلينا مجتمعين في وقت من الأوقات بل لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يعنى لا يجتمعون جميعا الا لدينا في يوم العرض والجزاء وفي حضرة علمنا المحيط ولوح قضائنا المحفوظ وبالجملة لا اجتماع لهم بعد انقراضهم ما داموا مسجونين في سجن الإمكان مقيدين بسلاسل التعينات وأغلال الهويات

<<  <  ج: ص:  >  >>