للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ التي قد اتَّخَذَتْ بَيْتاً من لعابها ثم تركته واتخذت آخر مثلها ثم تركته وهكذا حالها دائما مع ان هذه الابنية والبيوتات المتخذة لا تدفع حرا ولا بردا ولا تصير مانعا له من العدو ولا حجابا حاجزا من المكاره إياه كهؤلاء المقلدين الضالين الذين اتخذوا بتقليد بعض الضلال المتقدمين منهم دينا ومذهبا ثم تركوه بتقليد آخر منهم بلا تمكن ولا تمرن وهكذا حالهم دائما مع ان الأديان المتخذة لا تكشف لهم طريق الحق ولا توصلهم الى معرفته وتوحيده ولا تنقذهم من ظلمات الأوهام والخيالات الباطلة العائقة عن مشرب التوحيد ولا تخلصهم من سجن الطبيعة وقيود الإمكان وأغلال الأنانيات وسلاسل الهويات والتعينات مطلقا قال سبحانه على سبيل التأكيد والمبالغة على وجه التنصيص والتصريح بالضعف والتوهين بعد ما قد كنى ورمز لينزجروا ويرتدوا عن ما هم عليه من الأديان الباطلة وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ وأضعف الابنية لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ إذ لا بيت أضعف منه واشرف الى التخريب والانهدام واقل وقاية من الحر والبرد ودفع الضر والشر لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وهنه وضعفه وعدم نفعه لما اتخذوها لكنهم لم يعلموا فاتخذوا جهلا وعنادا فسيعلمون عاقبة ما اتخذوا ووبال ما عبدوا. ثم قال سبحانه على وجه الوعيد إياهم آمرا لحبيبه صلى الله عليه وسلم قل لهم يا أكمل الرسل

إِنَّ اللَّهَ المطلع على ضمائر عباده وسرائرهم يَعْلَمُ بعلمه الحضوري ما يَدْعُونَ وما تعبدون مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ من الأوثان والأصنام على التفصيل إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه المحيط شيء مما ظهر وبطن وخفى وعلن ولكن يمهلكم ويؤخر اخذكم بها زمانا لحكم ومصالح قد استأثر الله بها ولم يطلع أحدا عليها وَكيف لا يأخذكم سبحانه بما صدر عنكم مع انه هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر المقتدر على الانتقام بالقوة الكاملة والبطش الشديد الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله بما لا مزيد عليه

وَان استهزؤا معك يا أكمل الرسل متهكمين بما في كتابك من التمثيلات بأحقر الأشياء وأضعفها مثل الذباب والعنكبوت والنمل وغيرها لا تبال بهم وبتهكمهم واستهزائهم إذ تِلْكَ الْأَمْثالُ التي نَضْرِبُها لِلنَّاسِ المتمكنين في الغفلة والنسيان لنوضح لهم طريق التوحيد والعرفان وسبيل السلامة والايمان انما هي للموفقين منهم المجبولين على استعداد القبول وفطرة الإسلام لا لكل احد من اهل الغفلة والضلال التائهين المترددين في اودية الجهل واغوار الخيال لطلب المحال وفي هاوية الوهم بأنواع المراء والجدال وَلذلك ما يَعْقِلُها وما يفهم معناها وما يصل الى قعرها ومرماها إِلَّا الْعالِمُونَ العارفون الواصلون بما أفاض الله عليهم سبحانه من رشحات حضرة العلم المحيط الإلهي الى ينبوع بحر الوحدة الذاتية التي هي منبع عموم الكمالات اللائحة على صحائف الأنفس والآفاق وصفحات الأعيان والأكوان بكمال الاستقلال والاستحقاق وكيف لا قد

خَلَقَ اللَّهُ المتجلى بجميع صور الكمالات واظهر بمقتضى الأسماء والصفات السَّماواتِ اى العلويات المتفاوتة المتخالفة باختلافات الأسماء والصفات المنتشئة المنعكسة من الذات الاحدية حسب الشئون والتطورات المترتبة على الكمالات المندمجة فيها وَالْأَرْضَ اى طبيعة العدم القابلة لجميع الانعكاسات المنعكسة من اشعة التجليات الذاتية غيبا وشهادة ظهورا وبطونا بروزا وكمونا جمالا وجلالا وبالجملة ما خلق واظهر سبحانه عموم ما ظهر وبطن الا ملتبسا بِالْحَقِّ المطابق للواقع بلا شائبة شك فيه وارتياب إِنَّ فِي ذلِكَ الإيجاد والإظهار على الوجه الابدع الأبلغ والنظام الأتم الأكمل لَآيَةً عظيمة وحجة قاطعة لِلْمُؤْمِنِينَ الموحدين الموقنين بوحدة ذاته وكثرة أسمائه وصفاته حسب شئونه

<<  <  ج: ص:  >  >>