للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجع الى قومه غضبان أسفا اذكروا وقت إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ المؤمنين به المعاهدين له بعد رجوعه من الميقات والتورية معه يا قَوْمِ الناقضين لعهدي المتجاوزين عن حدود الله إِنَّكُمْ قد ظَلَمْتُمْ أنتم أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ الها مستحقا للعبادة فَتُوبُوا عن هذا الاعتقاد والاتخاذ وارجعوا متذللين متضرعين إِلى بارِئِكُمْ الذي قد برأكم وأظهركم من العدم ليبرأ كم عن هذا الظلم وبعد ما تبتم ورجعتم نادمين فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الامارة بهذا الظلم بأنواع الرياضات وترك المشتهيات والمستلذات وقطع المألوفات وترك المستحسنات لائمين عليها بأنواع الملامات حتى تكون مطمئنة بما قسم لها الحق راضية بجريان حكم القضاء الإلهي مرضية بالفناء الكلى في الله بل فانية عن الفناء ايضا ذلِكُمْ المشار اليه من الانابة والرجوع وإبراء الذمة والإذلال بأنواع الرياضات والفناء المطلق خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ وخالقكم الذي قد خلقكم لمصلحة التوحيد والعرفان وبعد ما تحقق انابتكم وإخلاصكم فيها فَتابَ عَلَيْكُمْ وقبل توبتكم ورضى عنكم إِنَّهُ سبحانه هُوَ التَّوَّابُ الرجاع للعباد الى التوبة والانابة الرَّحِيمُ لهم يقبل توبتهم وان عظمت زلتهم

وَاذكروا ايضا وقت إِذْ قُلْتُمْ لموسى عند دعوتكم الى الايمان والهداية يا مُوسى المدعى للرسالة الداعي الى الله بمجرد الاخبار لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ولما جئت به من عند ربك حَتَّى نَرَى اللَّهَ الذي ادعيت الرسالة منه جَهْرَةً ظاهرة بلا سترة وحجاب كما نرى بعضنا بعضا وبعد ما قد أفرطتم في حقنا فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ النازلة من قهرنا وغضبنا لإنكاركم ظهورنا الذي هو اظهر من الشمس بل الشمس ايضا انما هي من جملة عكوس لمعاتنا الذاتية ومن اظلال اشعة اوصافنا الجمالية والجلالية وَأَنْتُمْ حال نزول تلك الصاعقة الهائلة تَنْظُرُونَ متحيرين والهين بلا تدبير وتصرف الى ان صرتم فانين مغلوبين تحت قهرنا وجلالنا

ثُمَّ بَعَثْناكُمْ وانشأناكم احياء بمقتضى التجلي اللطفى مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وفنائكم بالقهر والغضب ترحما عليكم وامتنانا لكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة الوجود بعد العدم والحيوة بعد الموت وتعتقدون الحشر الموعود في يوم الجزاء وتؤمنون به

وَاذكروا ايضا وقت إذ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ يوم لا ظل وأنتم حينئذ تائهون في التيه في ايام الصيف بان سار معكم حيث شئتم ولا يزال يظل عليكم وَمع ذلك قد أنعمنا عليكم أعظم من ذلك بان أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ الترنجبين من جانب السماء تسكينا لحرارتكم وتبريد أمزجتكم وَأنزلنا ايضا منها لغذائكم السَّلْوى وهو السمانى او مثله في النزول من جانب السماء وأبحنا لكم تناولهما حيث قلنا لكم كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ من خصائص النعم واشكروا لها ولا تكفروا بها وَبالجملة ما ظَلَمُونا بكفران النعم ونسيان حقوق الكرم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ويحرمون من الفوائد العائدة لنفوسهم من نعمنا وازديادها عليهم بدوام شكرنا والمواظبة على اقامة حدودنا

وَاذكروا ظلمكم ايضا وقت إِذْ قُلْنَا لكم بعد خروجكم من التيه إشفاقا لكم وامتنانا عليكم ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ التي هي منازل الأنبياء والأولياء يعنى بيت المقدس فَكُلُوا مِنْها اى من مأكولاتها ومشروباتها حَيْثُ شِئْتُمْ بلا مزاحم ولا مخاصم رَغَداً واسعا بلا خوف من السقم والمرض حتى يتقوى بها مزاجكم ويزول ضعفكم وبعد تقويتكم المزاج بنعمنا ارجعوا إلينا وتوجهوا نحو بيتنا الذي قد بنينا فيها وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً متذللين خاضعين واضعين جباهكم على تراب المذلة والهوان وعند سجودكم وتذللكم استغفروا ربكم من خطاياكم وَقُولُوا متضرعين رجاؤنا منك يا مولانا

<<  <  ج: ص:  >  >>