للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العدو لكون عددهم على أضعافهم قولا استفهاميا على سبيل التبكيت والإلزام بعد ما ظهر عندك الأمر بالوحي الإلهي أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ

ثم ألهمك ربك بان قلت بَلى يكفيكم هذا القدر ان تستغيثوا وتستلجئوا الى الله ترعبا وترهبا من العدو ولكن إِنْ تَصْبِرُوا في مقابلتهم ومقاتلتهم وَتَتَّقُوا عن الاستدبار والانهزام بل تصبروا قارين كارين مرارا طالبين رضا الله وإمضاء حكمه وإنفاذ قضائه يريد عليكم وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا اى ساعتهم الحاضرة التي هي هذه يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ جزاء صبركم وتقواكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ معلمين معلومين ممتازين عن البشر

وَاعلموا ايها المؤمنون ما جَعَلَهُ اللَّهُ الهادي لعباده الى زلال توحيده أمثال هذه الإمدادات والارهاصات الواردة في أمثال هذه الوقائع إِلَّا بُشْرى لَكُمْ يبشركم بمقام التوكل والتفويض والرضا والتسليم وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ اى لتكونوا مطمئنين بالله فانين فيه باقين ببقائه وَاعلموا ايضا مَا النَّصْرُ والانهزام إِلَّا مقدرين مِنْ عِنْدِ اللَّهِ العليم العلام الْعَزِيزِ الغالب القادر على الانعام والانتقام الْحَكِيمِ المتقن في فعله على ابلغ الوجوه وأتم النظام

وانما جعله وبشر به لِيَقْطَعَ وليستأصل طَرَفاً جملة وجماعة مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا اعرضوا عن طريق التوحيد فينهزم الباقون أَوْ يَكْبِتَهُمْ اى يخزيهم ويرديهم فَيَنْقَلِبُوا جميعا خائِبِينَ خاسرين نادمين

وإذا كان الكل من عند الله العزيز الحكيم لَيْسَ لَكَ يا أكمل الرسل مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اى شيء من أمورهم بل الأمر كله لله فله ان يفعل معهم ما شاء وقدر وأراد اما ان يستأصلهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ توبة توبيخهم من انانيتهم أَوْ يُعَذِّبَهُمْ دائما جزاء ظلمهم وكفرهم فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ مستقرون على الظلم ما داموا في الحيوة الدنيا

وَكيف لا يكون أمورهم مفوضة الى الله إذ لِلَّهِ المتصرف المطلق المستقل خاصة مستقلة بلا مزاحم ومشارك عموم ما ظهر فِي السَّماواتِ وَما ظهر فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ يمحو ويستر لِمَنْ يَشاءُ جرائمه المخالفة لطريق توحيده بعد رجوعه وانابته اليه سبحانه ويدخل في جنة وحدته وَيُعَذِّبُ بها مَنْ يَشاءُ في جهنم البعد والخذلان وَبالجملة اللَّهُ غَفُورٌ لمن تاب واستغفر رَحِيمٌ لمن استحيي وندم

ثم خاطب سبحانه المؤمنين مناديا لهم بما يتعلق برسوخهم في طريق التوحيد من الخصال الجميلة والشيم المرضية فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله مقتضى ايمانكم ان لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا سيما إذا كان أَضْعافاً مُضاعَفَةً بحيث يستغرق مال المدين مجانا وَاتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور ولا تتجاوزوا عن حدوده لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وتفوزون بخير الدارين بامتثال مأموراته ومرضياته

وَاتَّقُوا ايها المؤمنون النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ وهيئت لِلْكافِرِينَ اصالة وللمقتفين أثرهم تبعا ويعملون معاملتهم استنكافا واستكبارا من المؤمنين الفاسقين

وَان أردتم الفلاح والفوز بالنجاح أَطِيعُوا اللَّهَ المولى لأموركم وَأطيعوا الرَّسُولَ المبين لكم طريق اطاعة الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ من عنده سبحانه ان اخلصتم في الإطاعة والانقياد

وَعليكم ان لا تتكلوا ولا تتكئوا بطاعاتكم وعباداتكم ولا تزنوها عند الله بل سارِعُوا وبادروا مواظبين إِلى طلب مَغْفِرَةٍ سيئة ومحو لهوياتكم صادرة مِنْ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة المعرفة والتوحيد وَوصول جَنَّةٍ منزل ومستقر عَرْضُهَا السَّماواتُ اى الأسماء والصفات الإلهية القائمة بذات الله وَالْأَرْضُ اى طبائع العدم القابلة لانعكاس

<<  <  ج: ص:  >  >>