للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُجْرِمِينَ المنحرفين عن منهج الرشد ومسلك السداد وعن طريق اهل الحق

قُلْ يا أكمل الرسل للمشركين الذين يعبدون آلهة غير الله إِنِّي نُهِيتُ وزجرت وصرفت بالدلائل القاطعة الدالة على توحيد الحق وكذا بالكشوف والمشاهدات الواردة الى من عنده سبحانه الصارفة عن الميل والتوجه الى الغير والسوى مطلقا أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ وتسمون أنتم ايها المسرفون المفرطون مِنْ دُونِ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد الهة باطلة باهويتكم الفاسدة قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ التي اخترعتموها أنتم من تلقاء انفسكم الهة وان اتبعت بمتابعتكم تلك التماثيل العاطلة قَدْ ضَلَلْتُ انا إِذاً مثل ما قد ضللتم أنتم وَبعد ما ضللت ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أصلا في شيء من الهداية كمثلكم

قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ واضحة مِنْ معرفة رَبِّي وتوحيده وَأنتم قد كَذَّبْتُمْ بِهِ وبتوحيده وأشركتم له غيره واستوجبتم العقوبة العظيمة بشرككم ومع ذلك قد استهزأتم بي باستعجال العذاب مع انه ما عِنْدِي وليس بيدي وقبضة قدرتي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب والنكال بل إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ الحكيم العليم وما الأمر الا له وبيده وتحت قبضة قدرته ومشيته هو يَقُصُّ الْحَقَّ ويحكم فيه وهو يدمغ الباطل ويدفعه وَبالجملة هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الحاكمين في عموم الوقائع والخطوب وجميع المصائب والملمات

قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي وتحت قدرتي وبمقتضى مكنتى وطاقتي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من نزول العذاب والعقاب لَقُضِيَ الْأَمْرُ اى لأهلككم اليوم بالمرة ولا رفع النزاع الواقع بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَلكن ليس لي هذه القدرة والمكنة بل اللَّهُ المطلع بسرائر عباده أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ المستوجبين للعذاب والنكال يأخذهم بظلمهم متى تعلقت ارادته

وَكيف لا يعلم ولا يطلع سبحانه على سرائر الأمور ومخفياتها إذ عِنْدَهُ وتحته قدرته وارادته مَفاتِحُ مطلق الْغَيْبِ ومقاليد عموم السرائر والخفيات لا يَعْلَمُها ولا يعلم اوقات ظهورها من الغيب الى الشهادة إِلَّا هُوَ إذ هو المحيط بجميع ما كان وما يكون ازلا وابدا حيث لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء ثم لما كانت الافهام قاصرة عن ادراك الغيب تنزل سبحانه عن تلك المرتبة الى ما هو اقرب الى الافهام فقال وَيَعْلَمُ بعلمه الحضوري عموم ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من الكائنات والفاسدات وتنزل منها ايضا فقال وَما تَسْقُطُ وتهوى مِنْ وَرَقَةٍ من اغصان الشجر إِلَّا يَعْلَمُها كيف تنزل ومتى تنزل والى اين تنزل ولأي شيء تنزل وَلا حَبَّةٍ ساقطة فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ اى مكا منها ومطاويها الى ان تصل الى مرتبتها الاصلية التي كانت عليها قبل سقوطها وَبالجملة لا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ من الكوائن والفواسد إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو عبارة عن حضرة علمه الحضوري المتحد بعينه وذاته الظاهرة في نفسها المظهرة لنفسها بنفسها إذ لا هو الا هو ولا شيء سواه ليس مثله شيء ولا دونه حي

وَكيف يخرج عن حيطة علمه شيء من الكائنات والفاسدات إذ هُوَ القادر المقتدر الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ اى يستر ويغيب استعداداتكم بِاللَّيْلِ اى في مقر البطون والغيب المطلق وَفي تلك المرتبة يَعْلَمُ بعلمه الحضوري عموم ما جَرَحْتُمْ اى كسبتم واكتسبتم باستعداداتكم الجبلية وقابلياتكم الفطرية بِالنَّهارِ اى في فضاء البروز وعالم الشهادة من المعارف والحقائق المقتضية الباعثة للظهور والإظهار لو ظهرتم ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ويظهركم في فضاء الظهور وعالم الشهادة لِيُقْضى ويتم أَجَلٌ مُسَمًّى مقدر عنده لاكتسابكم

<<  <  ج: ص:  >  >>