للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذاته وكمالات أسمائه وصفاته على التائهين في بيداء الغفلة المنهمكين في تيه الحيرة والضلال وَرُسُلِهِ المكاشفين بمقاصد كتبه المتحققين المتصفين بعموم ما امر ونهى فيها المأمورين بالتبليغ والإرشاد الى مقاصدها وَالْيَوْمِ الْآخِرِ المعد لجزاء من يتنبه ويتفطن من إنزال الكتب وإرسال الرسل ومن لم يتنبه ولم يتفطن إذ الحكمة تقتضي التفضل والترحم على من تنبه الى طريق الحق سيما بعد ورود المنبه والمبين والانتقام على من لم يتنبه ولم يؤمن بل ينكر ويكفر ومن يكفر فَقَدْ ضَلَّ عن طريق التوحيد ضَلالًا بَعِيداً بحيث لا يتمنى هدايته وفلاحه أصلا من يضلل الله فلا هادي له نعوذ بك منك يا ذا القوة المتين.

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله حين ظهر موسى كليم الله وبعث إليهم ثُمَّ كَفَرُوا به وبدينه حين ظهر عليهم السامري بالعجل ثُمَّ آمَنُوا بعد رجوع موسى من الميقات ثُمَّ لما طال الزمان وانقطع الوحى والإرسال والإنزال ووقع في امر الدين فترة وضعف قد أرسل الله تعالى إليهم عيسى عليه السّلام وانزل عليه الإنجيل ليبين لهم طريق توحيده كَفَرُوا به وكذبوا بكتابه عنادا واستكبارا وبعد ما انقرض جيل عيسى عليه السّلام اظهر سبحانه النبي الموعود في الكتب السالفة بأنه سيأتى نبي مبعوث على كافة البرية بالتوحيد الذاتي وله دين ناسخ لجميع الأديان وكتاب ناسخ لعموم الكتب وبه يختم امر النبوة والوحى والإرسال والإنزال إذ بظهوره قد تم وكمل طريق التوحيد والعرفان ثُمَّ لما ظهر وتحقق عندهم ظهوره ازْدادُوا له كُفْراً وتكذيبا وأصروا على ما هم عليه عتوا وعنادا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ الهادي لعباده الماحي لذنوبهم لِيَغْفِرَ لَهُمْ ان بقوا على كفرهم وإصرارهم وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ان انهمكوا في الغي والضلال

وبالجملة بَشِّرِ يا أكمل الرسل الْمُنافِقِينَ منهم وهم الذين يدعون الإسلام والايمان بك وبدينك وكتابك على طرف اللسان وقلبهم مختوم مطبوع على الشقاق والطغيان الأصلي بِأَنَّ لَهُمْ عند ربهم عَذاباً أَلِيماً وحذر منهم ومن سراية خبثهم ونفاقهم المؤمنين

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ المصرين على الكفر بالله وتكذيب رسله أَوْلِياءَ أحباء أصدقاء يصاحبونهم مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قل يا أكمل الرسل للمتخذين من المؤمنين اولياء منهم نيابة عنا أَيَبْتَغُونَ ويطلبون عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ ويعتقدون انهم اعزة وهم ايضا يتعززون بهم وبمصاحبتهم وموالاتهم مع انه لا عزة لهم لا حقيقة ولا صورة بل قد ضربت عليهم الذلة والهوان فَإِنَّ الْعِزَّةَ الحقيقية والغلبة المعنوية والبسطة الاصلية والكبرياء الحقيقية لِلَّهِ المتعزز برداء العظمة والبهاء جَمِيعاً بحيث لا يليق لغيره أصلا ان يتعزز في نفسه الا بفضله وطوله

وَمن فضل الله لكم انه قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ المبين لدينكم المنزل على نبيكم أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ اى انه إذا سمعتم وعلمتم حين تلاوتكم آياتِ اللَّهِ على رؤس الملأ انه يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها العياذ بالله فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ اى مع هؤلاء الكافرين المستهزئين بل اتركوهم واعرضوا عن مجالستهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فان لم تتركوهم ولم تخرجوا من بينهم قد صرتم أنتم ايضا أسبابا لكفرهم واستهزائهم بآيات الله إِنَّكُمْ إِذاً اى حين لم تتركوهم بل تقعدون معهم مِثْلُهُمْ في استحقاق العذاب والنكال إِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء المجد والبهاء القادر على كل ما أراد وشاء جامِعُ الْمُنافِقِينَ المداهنين وَالْكافِرِينَ المكذبين المستهزئين المجاهرين فِي جَهَنَّمَ البعد والخذلان وسعير الطرد والحرمان جَمِيعاً مجتمعين بلا تفاوت في العقوبة وكيف لا يجمع المنافقين المداهنين مع

<<  <  ج: ص:  >  >>