للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا إِلَّا الْحَقَّ الحقيق اللائق لجنابه المتعالي من سمة النقائص مطلقا إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ كسائر رسله وَغاية امره انه كَلِمَتُهُ اى حصل وتكوّن من كلمته التي قد أَلْقاها سبحانه حسب حكمته وقدرته إِلى مَرْيَمَ وَهي اى تلك الكلمة رُوحٌ يتجلى مِنْهُ سبحانه ويظهر فيه عليه السّلام كظهوره في سائر الأشخاص والمظاهر غاية الأمر فيه عليه السّلام ان حصة لاهوته قد غلبت على ناسوته لحكمة قد استأثر الله بها ولم يطلع أحدا عليها لذلك ظهرت منه عليه السّلام من الخوارق ما خلت عنه الأنبياء فَآمِنُوا بِاللَّهِ المنزه عن الأهل والولد وَرُسُلِهِ المؤيدين من عنده لتبليغ حكمه وأحكامه الى عباده ومن جملة الرسل عيسى عليه السّلام وَلا تَقُولُوا لله المنزه عن التعدد مطلقا ما لا يليق بجنابه سبحانه بأنه ثَلاثَةٌ الله والمسيح ومريم انْتَهُوا ايها المجبولون على فطرة التكليف والتوحيد عن التثليث في حق الله بل عن التعدد مطلقا واقصدوا خَيْراً لَكُمْ يرشدكم الى سبيل التوحيد إِنَّمَا اللَّهُ المتجلى في الآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق إِلهٌ واحِدٌ اى وجود بحت وموجود واحد فرد لا يمكن التعدد ولا يجرى التكثر في ذاته أصلا سُبْحانَهُ بذاته وتعالى حسب أسمائه وصفاته عن أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ كما يقول الظالمون بل لَهُ باعتبار تجلياته على صفحات الاعدام بجميع أوصافه وأسمائه مظاهر ما فِي السَّماواتِ من عكوس شئونه ومرايا أوصاف جماله وجلاله وَما فِي الْأَرْضِ ايضا منها وكذا فيما بينهما وكذا فيما شاء الله وما يعلم جنود ربك الا هو وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا اى كفى الله المتجلى بجميع أوصافه وأسمائه وكيلا على مظاهره موليا لامورها اصالة واستقلالا ومن غاية إغراء النصارى في وصف المسيح ونهاية غلوهم في حقه قد ادعوا استنكافه واستكباره عليه السّلام عن كونه عبد الله لذلك نسبوه اليه سبحانه بالنبوة وعبدوا له كعبادة الله

لذلك رد الله عليهم بقوله نْ يَسْتَنْكِفَ

ولن يستكبر ويترفعْ مَسِيحُ

وان ترقى الى السماء برفع الله إياه حسب قوة لاهوتيته نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

عند الله المترقون من السماء ايضا الى ما شاء الله إذ لا ناسوت لهم أصلا

كيف يستنكف ويستكبر عن عبادته احد من مظاهره ومخلوقاته إذنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ

فلا بد ان يخرج عن حيطة تصرفه سبحانه ولا يسع لهم هذا بل سَيَحْشُرُهُمْ

الله لَيْهِ جَمِيعاً

ويحاسبهم بما صنعوا ويجازيهم على مقتضى حسابه باشد العذاب وأسوأ النكال

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله وكتبه ورسله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المأمورة لهم اطاعة وانقيادا فَيُوَفِّيهِمْ الله أُجُورَهُمْ بأضعاف ما استحقوا وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ما لا يسع في عقولهم وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا عن عبادة الله تعالى فَيُعَذِّبُهُمْ الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء المتفرد بعلو المجد والبهاء عَذاباً أَلِيماً بطردهم عن ساحة عز حضوره ولا الم أشد من ذلك وَمع ذلك لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يدفع عنهم الأذى وَلا نَصِيراً يخفف عنهم العذاب

يا أَيُّهَا النَّاسُ المتوجهون الى توحيد الله لم يبق لكم عذر في الوصول اليه والرجوع نحوه إذ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ واضح نازل مِنْ رَبِّكُمْ على لسان نبيكم يبين لكم طريق الشرائع والاحكام المتعلقة بدين الإسلام فخذوا منه صلّى الله عليه وسلّم واقتدوا به وتدينوا بدينه وشريعته كي تصلوا الى ما جبلكم الحق لأجله وَمع ذلك قد أَنْزَلْنا من مقام جودنا إِلَيْكُمْ لإرشادكم وإصلاح حالكم وأبقينا بينكم ابدا

<<  <  ج: ص:  >  >>