للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنت في مقر عز التوحيد

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ الهادي لعباده عدم اشراكهم ما أَشْرَكُوا وَبالجملة ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً مصرفا عنهم عموم ما لا يعنيهم بل ما جعلناك الا هاديا لهم مبلغا إياهم امارات الهداية وآيات السعادة وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ كفيل تقوم أنت بأمرهم وتشفع لهم وتتعب نفسك في إصلاحهم وصلاحهم

ثم قال سبحانه وَلا تَسُبُّوا اى لا تذكروا بالمساوى والمقابح ايها المؤمنون الموحدون الَّذِينَ يَدْعُونَ ويعبدون اى المشركون مِنْ دُونِ اللَّهِ الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد يعنى أصنامهم وآلهتهم إذ هم من جملة المجالى والمظاهر لله مع انكم ان تسبوهم وآلهتهم فَيَسُبُّوا اللَّهَ ايضا من غاية جهلهم وحميتهم الجاهلية فأنتم حينئذ تكونون سببا لسب الله فيكون سبكم وتسببكم هذا عَدْواً تجاوزا وعدولا عن الحق الى الباطل بِغَيْرِ عِلْمٍ بعاقبته ومآله وبالجملة كَذلِكَ اى مثل تزييننا لكم دينكم وإلهكم وعملكم ايها المؤمنون قد زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم عَمَلَهُمْ والهم سواء كان حقا او باطلا إذ كل حزب بما لديهم فرحون وكل يعمل على شاكلته ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى يجازيهم على مقتضى ما عملوا من خير وشر وايمان وكفر

وَمن شدة نفاقهم واستهزائهم معك يا أكمل الرسل وتهكمهم بما جئت به من الآيات قد أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ اى مغلظين فيها مؤكدين لها تهكما والله لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها اى بالآيات كلها البتة وبك ايضا قُلْ لهم يا أكمل الرسل كلاما خاليا من وصمة الكذب ناشئا عن محض الحكمة إِنَّمَا الْآياتُ كلها لله ونزولها وانزالها عِنْدَ اللَّهِ المتعزز برداء العظمة والكبرياء وبقبضة قدرته وليس في وسعى وطاقتي شيء منها ومن لوازمها وَما يُشْعِرُكُمْ ويظهر لكم ايها المؤمنون الطالبون لإيمان هؤلاء الكفرة مع انكم لو تأملتم أنتم في شأنهم وظاهر حالهم لتفرستم أنتم بسيماهم ومن ظاهر حالهم بنور الايمان أَنَّها إِذا جاءَتْ إياهم ونزلت جميع مقترحاتهم لا يُؤْمِنُونَ بها البتة إذ قد طبع الله على قلوبهم بالكفر والنفاق

وَكيف يؤمنون بها مع انا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عن الميل نحو الحق مطلقا وَأَبْصارَهُمْ عن احساس شواهده وعلاماته وبالجملة هم لا يؤمنون بمطلق الآيات المقترحة النازلة أصلا كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بعموم ما جاء من الحق أَوَّلَ مَرَّةٍ قبل اقتراحهم إذ لا تفاوت بين حقية الآيات سواء كانت مقترحة أم لا وَبالجملة نَذَرُهُمْ نمهلهم وندعهم فِي طُغْيانِهِمْ وعدوانهم المتجاوز عن الحد يَعْمَهُونَ يتحيرون ويترددون الى ان نأخذهم وننتقم عنهم

وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ كما اقترحوا وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ببعثهم من قبورهم واوصوهم بالإيمان وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا اى جمعنا كل شيء عليهم وجعلناهم كفلاء لهم ليرشدوهم بأجمعهم الى الايمان ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا من خباثة بواطنهم وقساوة قلوبهم إذ قد ختم الله المقتدر الحكيم على قلوبهم بالكفر في سابق علمه إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ العليم الحكيم ايمانهم وقد كتبهم في لوح قضائه من المؤمنين وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر الناس يَجْهَلُونَ قضاء الله ومشيئته فيتمنون ايمانهم

وَكَذلِكَ اى مثل ما جعلنا لك يا أكمل الرسل عدوا يعاديك قد جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ من الأنبياء الماضين عَدُوًّا كذلك يعاديهم ويخاصمهم ويريد مقتهم وهلاكهم كمثل عدوك يعنى شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بالمظاهرة والمعاونة بحيث يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ اى اباطيله واراجيفه غُرُوراً وتغريرا لضعفاء الأنام حتى يقدموهم على مخاصمة الأنبياء ومعاداتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>