للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقدار ما يسر الله لك وقدره لأجلك في حضرة علمه والتوفيق بيد الله والهداية من عنده يهدى من يشاء الى صراط مستقيم

[سورة النبإ]

[فاتحة سورة النبأ]

لا يخفى على من انكشف له سرائر التكاليف الإلهية وحكم الاحكام الموردة من لدنه سبحانه ومصالح الأوامر والنواهي الناشئة من قدس ذاته ان مقتضى الألوهية والربوبية تربية المربوب وتأديبه بتحميل المتاعب والمشاق المانعة عن مقتضيات الهوى ومتابعة شياطين الأوهام والخيالات الباطلة التي هي جنود النفس الامارة بالسوء إياه وبعد ما لم يمتنع من مقتضيات القوى الطبيعية ولم يأت بالطاعات والعبادات المكلفة المأمور بها من قبل مربيه لم يعتدل على صراط العدالة الإلهية ولم يستقم له الوصول الى روضة الرضاء وجنة النعيم فالحكمة الإلهية تقتضي ان يعذبه بالعذاب الأليم ويدخله في نار الجحيم ابدا مؤبدا خالدا مخلدا لذلك وضع سبحانه بمقتضى حكمته نشأتين نشأة الاختبار والابتلاء ونشأة الانتقاد والجزاء فجعل الاولى منزل العبور والاعتبار والاخرى دار الثبوت والقرار فالعاقل العارف لا بد وان يؤمن ويوقن بكلتيهما ويستعد في أولاهما لاخريهما ومن اغتر بالأولى وشغل بها عن الاخرى فقد لحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ولكمال ظهور امارات النشأة الاخرى ووضوح براهين وقوعها وقيامها الى حيث يتساءلون مترددين مستبعدين ويتقاولون فيما بينهم بخبر وقوعها وقيامها ويتداولونها على سبيل المراء والاستهزاء فقال سبحانه بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على عموم ما ظهر وبطن حسب النشأتين الرَّحْمنِ للكل حسب النشأة الاولى الرَّحِيمِ لخواص عباده حسب النشأة الاخرى

[الآيات]

عَمَّ اى عن ما وعن اىّ شأن وامر يَتَساءَلُونَ ويتقاولون فيما بينهم مراء ومجادلة

عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ اى هم يختلفون في قيام الساعة الموعودة لتنقيد اعمال العباد والجزاء عليهم على وفقها مع ان امره اظهر من ان يشك فيه ويسأل عنه ويستهزأ به ويختلف فيه وفي وقوعه فلأى شأن وامر يختلفون ويترددون أولئك المسرفون المترددون

كَلَّا وحاشا من اين يتأتى لهم إنكاره والتساؤل فيه والتقاول في شأنه على وجه المراء مع انهم سَيَعْلَمُونَ عن قريب قيامه ووقوعه بل قربه اقرب إليهم من رجع الطرف ولمح البصر بل هو اقرب

ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ حين ينزل عليهم بغتة وهم لا يشعرون وبالجملة من اين يتأتى لهم انكار يوم البعث والجزاء هل ينكرون قدرتنا الكاملة على أمثاله أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً لهم ممهدة ينتشرون عليها ويستريحون فيها وَنجعل الْجِبالَ عليها أَوْتاداً تقريرا لها وتثبيتا

وَخَلَقْناكُمْ اى قدرنا أشباحكم ايها المكلفون أَزْواجاً أصنافا ذكرا وأنثى لتتآنسوا وتتناسلوا

وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ في خلال الليالى سُباتاً انقطاعا عن الاحساس والحركة ليحصل إرخاء الاعصاب والفضلات لتستريحوا بسببه ويزول كلال القوى وفتورها فتستمد بالاستراحة وتشتغل بافعالها في النهار بجرأة تامة وقوة كاملة

وَبالجملة قد جَعَلْنَا اللَّيْلَ لكم لِباساً غطاء وغشاء تستترون فيه وتختفون به فيما فيه إخفاء مطلوبكم

وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً لكم وقتا تطلبون فيه ما تعيشون به من حوائجكم ومطعوماتكم وملبوساتكم

وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>