للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفسدون في الأرض بأنواع الإفساد والإضلال لَقَدْ أَرْسَلْنا حين حدث على الأرض أمثال ما حدث في ازمنة أولئك الهالكين بل هؤلاء أسوأ منهم حالا وأقبح شيمة منهم وخصالا وأشد منهم بغضا وشكيمة على الحق واهله عبدنا مُوسى اى المختص من لدنا بتكليمنا بِآياتِنا الدالة على توحيدنا واستقلالنا في ملكنا وملكوتنا وَسُلْطانٍ اى قد أيدناه من لدنا بحجة واضحة وبرهان قاطع مُبِينٍ ظاهر الدلالة على صدقه في دعواه عند من له ادنى مسكة

إِلى فِرْعَوْنَ الذي هو رأس اهل الضلال ورئيسهم حيث يتفوه بالالوهية من غاية عتوه واستكباره وَمَلَائِهِ المعاونين له في امره وشأنه ثم لما أمهلنا زمانا على غروره ورفعنا قدره في هذه الدنيا وصيرنا مسرورا تغريرا عليه مكرا وتلبيسا الى حيث فَاتَّبَعُوا من على الأرض أَمْرَ فِرْعَوْنَ وامتثلوا بمقتضاه وَالحال انه ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ وما حكمه وشأنه بِرَشِيدٍ هاد الى الحق موصل الى مقصد التوحيد بل هو غار موصل الى تيه الضلال والتقليد المستلزم للدخول الى نار الخذلان وسعير الحرمان إذ هو بنفسه

يَقْدُمُ قَوْمَهُ ويتقدم عليهم يَوْمَ الْقِيامَةِ التي قد انكشفت فيها السرائر واضمحلت الأوهام والضمائر فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ مثل إيرادهم على ماء نيل في دار الدنيا شبه حالهم في النشأة الاخرى بحالهم في النشأة الاولى لذلك عبر عنه بالإيراد وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ نار الخذلان وجحيم الحرمان

وَهم من غاية خبثهم وفسادهم أُتْبِعُوا فِي هذِهِ النشأة لَعْنَةً دائمة مستمرة وَيلعنون ايضا يَوْمَ الْقِيامَةِ بأضعاف هذه اللعنة وآلافها إيفاء لها وزيادة عليها وبالجملة بِئْسَ الرِّفْدُ والعون والعطاء الْمَرْفُودُ المعان المعطى رفدهم وعونهم الذي هو عبارة عن طردهم ولعنهم في الدارين وحسب النشأتين

ذلِكَ المذكور مِنْ أَنْباءِ الْقُرى واخبارهم وما جرى عليهم نَقُصُّهُ عَلَيْكَ بالوحي يا أكمل الرسل ليكون عبرة لك ولمن تبعك مشاهدة وتذكيرا إذ مِنْها اى من تلك القرى ما هو قائِمٌ جدرانها بلا سقوف وَمنها ما هو حَصِيدٌ مدروس مندك كالزرع المحصود قد عفت آثاره واندرست اطلاله

وَبالجملة ما ظَلَمْناهُمْ باهلاكهم وتخريب ديارهم وَلكِنْ هم قد ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ باتخاذ مصنوعاتنا آلهة أمثالنا مستحقة للعبادة ظنا منهم ان آلهتهم تنفعهم لدى الحاجة وتشفعهم وقت الشفاعة فَما أَغْنَتْ وما كفت وما دفعت عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ظلما وزورا مِنْ شَيْءٍ اى شيأ قليلا من القضاء لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يا أكمل الرسل وحين نزل عذابه وحل عقابه إياهم بل وَما زادُوهُمْ آلهتهم حين حلول العذاب عليهم غَيْرَ تَتْبِيبٍ اى هلاك وتخسير فوق هلاك وتخسير إذ هم بسبب عبادة هؤلاء قد صاروا مطرودين عن سعة رحمة الله وجوده

وَكَذلِكَ اى ومثل ما سمعت يا أكمل الرسل أَخْذُ رَبِّكَ وانتقامه وبطشه وقت إِذا أَخَذَ الْقُرى وحين انتقم من أهلها بظلمهم وعصيانهم وَالحال انه هِيَ ظالِمَةٌ خارجة أهلها عن مقتضى الأمر الإلهي ونهيه وبالجملة إِنَّ أَخْذَهُ للمسرفين الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية أَلِيمٌ مؤم شَدِيدٌ في غاية الشدة والإيلام لكونهم مبالغين في الإصرار والاستكبار

إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من قصص الأمم الهالكة لَآيَةً عظة وتذكيرا عظيما وعبرة كاملة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ وحساب الله إياه فيها على رؤس الملأ والاشهاد إذ ذلِكَ اليوم يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ اى يجمع ويحشر الناس فيه لأجل الحساب والجزاء وَايضا ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يشهد فيه الجميع للجميع بل الجوارح والآلات على صاحبها

<<  <  ج: ص:  >  >>