للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ التَّوَّابُ الرجاء للمذنبين المنهمكين في المعاصي بالإنابة اليه عن ظهر الجنان الرَّحِيمُ لهم عما صدر عنهم من المعاصي والآثام بلا عتاب وانتقام

ثم لما لقناه الكلمات التي تاب بها وقبلنا عنه توبته أخرجناه من اليأس والقنوط واطمعناه الرجوع الى الجنة بان قُلْنَا له ولذريته المتفرعة عليه منبهين عليهم طريق الرجوع والانابة اهْبِطُوا والزموا مكان الهبوط واستقروا عليها حال كونكم خارجين مِنْها جَمِيعاً اى من الجنة وترقبوا دخولها باذن منا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ايها المترقبون مِنِّي هُدىً من وحى والهام فهو علامة إذني ودليل رضائى برجوعكم فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ ورجع بمقتضاه فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين المراجعة الى المقام الأصلي والموطن الحقيقي وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بعد رجوعهم اليه بل كما بدأكم تعودون

وَالَّذِينَ لم يترقبوا الرجوع ونسوا ما هم عليه في الجنة ولم يلتفتوا الى الهدى المؤتى به بل كَفَرُوا به وأنكروا به وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وبرسلنا الذين أتوا بها وكذا بعموم دلائلنا الدالة على صدقهم من المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة أُولئِكَ الهابطون الناسون الموطن الأصلي والمقام الحقيقي المستبدلون الجنة الباقية بعرض هذا الأدنى الفاني الكافرون بطريق الحق المكذبون بالرسل الهادين هم أَصْحابُ النَّارِ التي هي محل البعد والخذلان ومنزل الطرد والحرمان هُمْ فِيها خالِدُونَ بسبب نسيانهم وتكذيبهم الى ما شاء الله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب

ثم لما بين سبحانه طريق الهداية والضلال ونبه على جزاء كل منهما اجمالا أشار الى تفصيله وتوضيحه بإيراد قصص القرون الماضية والأمم السالفة ليعتبر المؤمنون منها ومن جملتها قصة ندائه سبحانه بنى إسرائيل يعنى أولاد يعقوب مخاطبا لهم آمرا بتذكرهم بالنعم التي أنعمها عليهم ليكونوا من الشاكرين لنعمه الموقنين بعهود كرمه بقوله يا بَنِي إِسْرائِيلَ المتنعمين بالنعم الجليلة اذْكُرُوا واشكروا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وعلى من استخلفكم من اسلافكم وَأَوْفُوا بعد اعداد النعم وتعديدها على انفسكم بِعَهْدِي الذي قد عهدتم معى من متابعة الهدى النازل منى على السنة انبيائى ورسلي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ايضا بارجاعكم وايصالكم الى مقامكم الأصلي الذي كنتم فيها قبل هبوطكم الى دار المحن وبعد رجوعكم إليها في النشأة الاخرى لا يبقى لكم خوف من الأغيار بل لا بد لكم حينئذ ان ترهبوا من سطوة سلطتى وقهري حسب جلالي وَإِيَّايَ عند عروض تلك الرهبة فَارْهَبُونِ وارجعوا الى وتحننوا نحوي لأؤانس معكم وازيل رهبتكم عنكم

وَاعلموا ان علامة وفائكم بعهدي هي الايمان فأذعنوا وآمِنُوا على وجه الإخلاص والإيقان بِما أَنْزَلْتُ بمقتضى فضلي وطولى على عموم رسلي سيما بالقرآن المنزل على الحضرة الختمية الخاتمية المؤيد بالدلائل القاطعة والحجج الساطعة والمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة مع كونه مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من الكتب المنزلة على الأنبياء الماضين مشتملا على عموم ما في الكتب السالفة من الاحكام والقصص والمواعظ والحقائق مع لطائف أخر قد خلت عنها جميعها وَبعد ظهور المنزل به وادعاء من انزل عليه الرسالة والهدى لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ اى لا تكونوا مبادرين على الكفر بالهادي وما هدى به بل كونوا أول من آمن وصدق بعموم ما جاء به من عند ربه وانتهزوا الفرصة للايمان ولا تغفلوا عنه وَبعد نزوله وظهوره لا تَشْتَرُوا ولا تستبدلوا بِآياتِي المنزلة على رسلي ثَمَناً قَلِيلًا من المزخرفات الفانية وَان عسر عليكم ترك هذا الاستبدال بميل نفوسكم اليه بالطبع إِيَّايَ فَاتَّقُونِ عند عروض ذلك لأحفظكم

<<  <  ج: ص:  >  >>