للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيما مع ورود الزواجر المؤيدة بالخوارق بِعَذابٍ أَلِيمٍ في النشأة الاولى بالقتل والسبي والاجلاء وفي الآخرة بالحرمان عن رتبة الإنسان

ثم لما لم يصدر عن بعض المشركين شيء من امارات النقض والانباذ وعلامات المخالفة والمخادعة استثناهم الله سبحانه وامر المؤمنين بحفظ عهودهم الى انقضاء المدة المعلومة المعهودة فقال إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ بعد المعاهدة لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً مما عاهدوا عليه والتزموا حفظه بل داوموا على حفظها وَمع ذلك لَمْ يُظاهِرُوا ولم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم حفظا لعهودكم وميثاقكم فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ اى أنتم اولى بايفاء العهد وإتمام مدته إِلى انقضاء مُدَّتِهِمْ التي عاهدوا عليها إِنَّ اللَّهَ المستوي على العهد القويم يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الذين يواظبون على إيفاء العهود وحفظ المواثيق حذرا عن تجاوز حدود الله وعهوده

فَإِذَا انْسَلَخَ وانقضى ومضى الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ المأمورة فيها السياحة والأمن فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ المصرين على الشرك الناقضين للعهد والميثاق حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ في حل او حرم مستأمنين أم لا وَخُذُوهُمْ اى اسروهم واسترقوهم واستولوا عليهم وَان استحفظوا واستحصنوا احْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ ولاخذهم وقتلهم كُلَّ مَرْصَدٍ وممر من شعاب الجبال وشفا الوادي فَإِنْ تابُوا ورجعوا عن الشرك ومالوا الى الايمان وَبعد ايمانهم أَقامُوا الصَّلاةَ التي هي من أقوى اعمدة ايمانهم وتصديقهم وَآتَوُا الزَّكاةَ التي بها تطهر قلوبهم عن امارات النفاق فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ كسائر المسلمين ولا تتذكروا ولا تلتفتوا بما صدر عنهم من المخالفة والمقاتلة والشقاق فيما مضى إِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده غَفُورٌ لما صدر عنهم من المعاصي والآثام رَحِيمٌ لهم يوصلهم الى دار السّلام بعد ما أخلصوا في الانابة والرجوع

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ المناقضين الذين قد أمرت بقتلهم واسرهم اسْتَجارَكَ وطلب منك يا أكمل الرسل جوارك ليأمن عما يؤذيه فَأَجِرْهُ اى فعليك يا أكمل الرسل على مقتضى شفقة النبوة والرسالة ان تجيره وتؤمنه في جوارك حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ الهادي لعباده منك ويفهم سرائر دينك وشعائر شرعك كأنه يطلع على حقيته إذ كل فرد من افراد الإنسان قد جبل على فطرة الإسلام ثُمَّ بعد حصول اليأس من إيمانه وتنبه أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ اى موضع امنه ومحل قراره تتميما للشفقة والمروءة ذلِكَ الأمن والمواساة والتليين المأمور بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ في غاية البعد عن الايمان وما يترتب عليه من المواخاة وانواع الخيرات والمبرات لا يَعْلَمُونَ اى لا يطمعون ولا يتوقعون صدورها من اهل الايمان سيما بالنسبة إليهم فمتى صدر منكم أمثال هذا عسى ان يتحابوا ويتقربوا إليكم

ثم قال سبحانه كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ المصرين على الشرك والفساد والمبالغين في العتو والاستكبار عَهْدٌ مقبول عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إذ هم من غاية انهماكهم في كفرهم وضلالهم لا يلتفتون الى الله ولا الى رسوله لذلك لا يقبل منهم العهد والميثاق بل أمرهم اما السيف واما الإسلام إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ معهم عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإنهم وان كانوا ايضا من المشركين المصرين الا ان حرمة المسجد الحرام يوجب إيفاء عهودهم ما داموا موفين بها فَمَا اسْتَقامُوا واستحفظوا لَكُمْ عهدكم فيه فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ بل أنتم اولى برعاية حرمة المسجد الحرام إِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم عن سوء الأدب مع الله في عموم أحوالهم وأوقاتهم سيما عند بيته الحرام

كَيْفَ يكون للمشركين معكم عهد ايها المؤمنون وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>