للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم ما فطنوا انهم هم الممقوتون الممكورون حقيقة إذ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ وما مكرهم وحيلتهم حيث كادوا ومكروا على اهل الحق إِلَّا فِي ضَلالٍ اى هلاك وبوار وضياع وخسار لذلك لم ينالوا على ما قصدوا وأملوا بل قد عاد عليهم ولحق بهم تلك الوبال والنكال بأضعاف ما قصدوا إياهم ومكروا لأجلهم

وَبعد ما قد ظهر شأن موسى الكليم وعلا قدره وانتشر بين الناس حجته وبرهانه قالَ فِرْعَوْنُ لملائه وهم الذين قد قالوا له حين ظهر غلبة موسى على سحرته فقصد قتله لا تقتله حتى لا يظهر مغلوبيتك منه عند الناس مع انك تدعى الألوهية ذَرُونِي واتركوني على حالي أَقْتُلْ مُوسى الآن وحدي وَلْيَدْعُ رَبَّهُ لان يمنعني عن قتله او لأجله يعنى انا لا أبالي به وبربه بل إِنِّي أَخافُ عليكم انه لو لم اقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ وانقيادكم على بسحره أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ اى النهب والغارة في أطراف المملكة واكناف البلاد وان لم يقدر على تغيير دينكم وعقائدكم

وَبعد ما قد وصل الى موسى الكليم ما قصد له العدو اللئيم قالَ مُوسى متوكلا على الله مفوضا عموم أموره اليه إِنِّي عُذْتُ والتجأت بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ الواحد الأحد الفرد الصمد المراقب على حفظ عباده الخلص ايها المؤمنون سيما مِنْ شر كُلِّ مُتَكَبِّرٍ متناه في الكبر والخيلاء بمقتضى اهويته الباطلة وآرائه الفاسدة إذ هو لا يُؤْمِنُ ولا يصدق بِيَوْمِ الْحِسابِ حتى يرتدع من أمثال هذه الجرأة على رسل الله وعلى خلص عباده فانه سبحانه يكفى عنى مؤنة شره وضره

وَبعد ما قد صمم فرعون العزم لقتل موسى وجزم لمقته وهلاكه قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ موحد ما كان له اعتقاد بالوهية فرعون وان كان هو مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ومن شيعته وأقوامه لكن كان يَكْتُمُ إِيمانَهُ منهم أَتَقْتُلُونَ ايها المتكبرون المسرفون المفرطون رَجُلًا موحدا بمجرد أَنْ يَقُولَ بالله حقا رَبِّيَ اللَّهُ الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الشريك والنظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وَالحال انه قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ الواضحة والمعجزات اللائحة مِنْ قبل رَبِّكُمْ الذي أوجدكم من كتم العدم وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ اى وبال كذبه عائد عليه ونكاله آئل اليه وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ البتة بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ به بمقتضى وحى الله والهامه إياه وبالجملة إِنَّ اللَّهَ الهادي لعباده الى سبيل الرشد لا يَهْدِي ولا يوفق على الهداية كل مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ في فعله كَذَّابٌ في قوله فلا حاجة الى قتله ودفعه إذ قد يزهق عن قريب ان كان كاذبا ثم ناداهم وخاطبهم مضيفا لهم الى نفسه امحاضا للنصح واشتراكا معهم في يوم الوبال النازل عليهم فقال

يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ اى ملك العمالقة مختصة لكم اليوم بلا منازع ولا مخاصم مع كونكم ظاهِرِينَ غالبين فِي اقطار الْأَرْضِ على عموم الناس الحمد لله والمنة فلا ترتكبوا فعلا جالبا لغضب الله عليكم بل اتركوا قتله والا بعد ما قد قتلتموه عدوانا وظلما فَمَنْ يَنْصُرُنا وينقذنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ المنتقم الغيور وعذابه إِنْ جاءَنا ونزل علينا بقتل هذا الصديق الصادق الصدوق في الدعوى والرسول المرسل من عند الله تبارك وتعالى لو نزل بنا كيف نرفعه وندفعه قيل هذا القائل المؤمن هو ابن عم فرعون وهو عنده من المقربين. ثم لما سمع فرعون كلامه المشتمل على محض العظة والنصيحة قالَ فِرْعَوْنُ على سبيل الطرح والتعريض ما أُرِيكُمْ وأشير إليكم في دفع هذا المدعى المفسد إِلَّا ما أَرى بموافقة عقلي واستصوبه رأيى واستقر عليه فكرى وهو ان نقتله لندفع شره وَاعلموا

<<  <  ج: ص:  >  >>