للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ لم يعهد هذا من غيرك من الأنبياء الماضين والرسل السابقين لذلك شق عليهم حسدا وغيظا فكيف يحسدون ويغيظون عليك وبشأنك يا أكمل الرسل إذ اللَّهُ العليم الحكيم المطلع على استعدادات العباد وقابلياتهم يَجْتَبِي إِلَيْهِ اى يختار ويجذب نحو التوحيد الذاتي مَنْ يَشاءُ من المجبولين على فطرة التوحيد وَيَهْدِي إِلَيْهِ ويوفق عليه ويرشد نحوه مَنْ يُنِيبُ اليه سبحانه انابة صادرة عن محض الإخلاص والتبتل والتفويض والتوكل

وَبعد ما ثبت ان اصل الأديان كلها هو التوحيد وان الأنبياء والرسل انما جاءوا بأجمعهم لإظهاره وتبيينه وإعلاء كلمته ظهر ان الأمم الهالكة ما تَفَرَّقُوا وما اختلفوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً واقعا بَيْنَهُمْ عدوانا وظلما اعراضا عن الحق واهله وبالجملة ما ظهر بينهم ما ظهر من العداوة والبغضاء الا على سبيل المراء والافتراء وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل وهي امهال انتقامهم وتأخيره إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وحكم عليهم حين اختلافهم ويوم تفرقهم فاستوصلوا فيه بالمرة حتما وَإِنَّ المختلفين المتفرقين الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ المنزل على أسلافهم مِنْ بَعْدِهِمْ اى من بعد انقراض أسلافهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من الكتاب أمثال أولئك الاسلاف الضلال مُرِيبٍ موقع لهم في الريب والضلال لذلك اختلفوا معك يا أكمل الرسل وأنكروا على دينك وكتابك ولو كان لهم علم بكتابهم ما ظهروا عليك وما طعنوا في دينك وكتابك إذ الايمان والتصديق بكتاب من كتب الله ودين من اديانه ورسول من رسله يوجب الايمان بجميع الكتب والرسل والأديان بناء على الأصل الذي سمعت من التوحيد

فَلِذلِكَ الأصل الذي هو التوحيد الذاتي المسقط لعموم الاختلافات والإضافات فَادْعُ أنت يا أكمل الرسل من تدعوه من المجبولين على فطرة التوحيد والإسلام وَاسْتَقِمْ أنت في نفسك على جادة التوحيد كَما أُمِرْتَ من قبل ربك وثبت اقدام عزمك عليها معتدلا حنيفا مائلا عن كلا طرفي الإفراط والتفريط وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ اى اهوية اصحاب الخلاف والاختلاف الضالين المترددين في اودية الجهالات واغوار الأوهام والخيالات المنافية لصفاء فضاء التوحيد وَقُلْ يا أكمل الرسل بعد ما قد صفا سرك وخلا خلدك عن مطلق الأوساخ والاكدار الموجبة للاختلاف والخلاف آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ اى بجميع ما انزل الله مِنْ كِتابٍ مبين موضح لطريق الحق وتوحيده وَقل بعد ذلك ايضا إظهارا لدعوتك إياهم أُمِرْتَ من قبل ربي لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ وأبين لكم طريق العدالة الإلهية حسب وحى الله والهامه إياي وبالجملة أنا مأمور من عنده بتبليغه وتبيينه إياكم لتربيتكم وتكميلكم إذ اللَّهُ المدبر لأمور عموم عباده رَبُّنا الذي ربانا لمصلحة الإرشاد والتكميل وَرَبُّكُمْ أراد ان يربيكم بالهداية والرشد وان لم نكن نحن معاشر الرسل والأنبياء مأمورين من عنده سبحانه لإصلاحكم وإرشادكم ما لنا معكم إذ لَنا أَعْمالُنا اى جزاء صالحها وفاسدها وَلَكُمْ ايضا أَعْمالُكُمْ كذلك إذ كل منا ومنكم مجزىّ بما كسب وعمل لا حُجَّةَ اى لا غلبة ولا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ بعد ما بلغناكم ما أمرنا بتبليغه وأوضحنا لكم سبيل الحق وصراطه السوى وبالجملة اللَّهُ اى الذات الجامع المستجمع لجميع الأسماء والصفات يَجْمَعُ بَيْنَنا وبينكم ان تعلق مشيته بجمعنا وَكيف لا يجمع بيننا سبحانه إذ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ اى رجوع الكل نحوه كما ان صدوره منه سبحانه

وَبعد وضوح محجة الحق ومنهج المعرفة واليقين الَّذِينَ يُحَاجُّونَ يجادلون ويخاصمون متشبثين بأذيال المجادلات والمغالطات الواهية

<<  <  ج: ص:  >  >>