للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالترامي بالنبل والحجارة فاضطررتم بل اضطربتم وقد اوجستم في انفسكم خيفة خفية منهم وصرتم مذبذبين متزلزلين لا الى الفرار ولا الى القرار وبعد ما قد ابصرناكم كذلك واطلعنا على قلوبكم أمددناكم بإرسال الريح وإنزال الملائكة اعانة لكم وتأييدا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً يعنى الصبا وهبت عليهم عاصفة بحيث تقلع أوتادهم وتسقط الخيام عليهم وتطفئ نيراتهم وتكفئ قدورهم وتجيل خيولهم وكانت هذه في ليلة شاتية باردة في غاية البرودة وَأرسلنا عليهم ايضا جُنُوداً من الملائكة قد ظهروا جوانب معسكرهم بحيث لَمْ تَرَوْها جنودا مثلها أصلا فقال حينئذ صناديدهم وكبراؤهم النجا النجا فان محمدا قد بدا بالسحر فانهزموا من غير قتال فنجوتم سالمين عناية من الله وانجازا لوعده ومعجزة لرسوله صلّى الله عليه وسلم وَكانَ اللَّهُ المطلع لأحوال عباده بِما تَعْمَلُونَ أنتم من حفر الخندق والتزلزل والتذبذب والرعب الخفى وبما يعملون ايضا أولئك المسرفون من التحزب والتوافق على استئصالكم بَصِيراً رائيا عليما منكم امارات التذبذب والتزلزل وكيف لا تزلزلون أنتم وقت

إِذْ جاؤُكُمْ وهم غطفان مِنْ فَوْقِكُمْ اى من أعلى الوادي من قبل المشرق وَقد جاؤكم القريش مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى من أسفل الوادي من قبل المغرب واضطررتم وليس معكم من يقابل احد الجانبين حينئذ فكيف بكليهما وَاذكر وقت إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ حينئذ منكم ومالت عن مستوى نظرها وتقلقلت واضطربت حيرة وشخوصا وَقد اضطربتم في تلك الحالة بحيث قد بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ يعنى قد بلغت من غاية الرعب والخوف قلوبكم حناجركم لان ريتكم قد انتفخت من الرعب المفرط فارتفع القلب بارتفاعها الى رأس الخنجرة وهي عبارة عن منتهى الحلقوم الذي هو مدخل الطعام والشراب وَحينئذ كنتم تَظُنُّونَ ايها الظانون المرعوبون بِاللَّهِ الذي قد وعدكم بالنصر والغلبة على الأعداء وبإظهار دينكم واعلائه على الأديان كلها الظُّنُونَا اى أنواعا من الظنون بعضها صحيح وبعضها فاسد على تفاوت طبقاتكم في الإخلاص وعدمه فمنكم من يظن ان الله منجز وعده الذي قد وعده لرسوله من إعلاء دينه ونصره على أعدائه إذ لا خلف لوعده سبحانه ومنكم من يتردد ويتحير بين الأمرين الى حيث لا يرجح أحدهما لذلك يخاف من ضعف وثوقه بالله وعدم رسوخه في الايمان وبالجملة

هُنالِكَ في تلك الحالة قد ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وجربوا واختبروا كي يتميز المخلص منهم من المنافق والثابت الراسخ من المتردد المتزلزل وَلذلك قد زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً من شدة الفزع والهول المفرط بحيث كاد ان يخرج أرواحهم من اجسادهم

وَاذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ حينئذ وَالمؤمنون الَّذِينَ قد بقي فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ من امارات الشقاق ولم يصفوا بعد لحداثة عهدهم حتى يتمكنوا على الوفاق ويتمرنوا بالاتفاق ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ من الظفر على الأعداء وانتشار هذا الدين في الأقطار والأنحاء إِلَّا غُرُوراً باطلا زورا زاهقا زائلا وبالجملة قد بالغوا في ذلك حيث قال معقب بن قشير يعدنا محمد بفتح فارس والروم واحدنا لا يقدر ان يتبرز للقتال مع هؤلاء الفرق فظهر ان وعده ما هو الا غرور باطل

وَاذكر لهم يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ اى من منافقي المدينة والذين في قلوبهم مرض وضعف اعتقاد ويقين وهم يعدون أنفسهم من المؤمنين يا أَهْلَ يَثْرِبَ واصحاب المدينة لا مُقامَ لَكُمْ ولا يحسن اقامتكم الآن ومقاومتكم في مقابلة هذه الأحزاب ذوو عدد وعدد كثيرة وأنتم شرذمة قليلون بالنسبة إليهم فَارْجِعُوا عن دين محمد وانتشروا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>