للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق الحقيق بالالوهية والربوبية القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام وَاتَّقُوهُ بالاجتناب عن ارتكاب محارمه ومنهياته وَأَطِيعُونِ فيما بلغت لكم من أوامر الله ونواهيه وامتثلوا بها واعملوا بمقتضاها

يَغْفِرْ لَكُمْ سبحانه مِنْ ذُنُوبِكُمْ كلها ان استغفرتم منه سبحانه وتبتم اليه مخلصين نادمين وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أقصى أَجَلٍ مُسَمًّى مقدر عنده سبحانه معين لديه بشرط ان تتصفوا بالإيمان والعمل الصالح إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ المقدر لآجال عباده على مقتضى حكمته المتقنة البالغة إِذا جاءَ على الوجه المقدر المقرر عنده لا يُؤَخَّرُ عن وقته ولا يقدم عليه لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وتعتقدون حكمة الحكيم وكمال قدرته ومشيته لعلمتم يقينا ان الأجل المقدر من عنده لا يبدل ولا يتغير وبعد ما قد بالغ نوح عليه السلام في دعوتهم وإرشادهم فلم يهتدوا بل ما زادوا الا إصرارا وإضرارا وعتوا واستكبارا وبعد ما تمادى ضررهم واضرارهم إياه

قالَ نوح عليه السلام مناجيا الى ربه على وجه التضرع والابتهال بعد ما بالغوا في الإنكار والاستكبار رَبِّ يا من رباني على الرشد والهداية إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي حسب وحيك وإلهامك على لَيْلًا وَنَهاراً اى في عموم الأزمان والأحيان بلا مطل ونسيان

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إياهم على الايمان إِلَّا فِراراً عن الانقياد والإطاعة وإصرارا على الكفر والطغيان

وَإِنِّي قد صرت زمانا طويلا ومدة ممتدة كُلَّما دَعَوْتُهُمْ على قصد منى ان يقبلوا منى دعوتي لِتَغْفِرَ لَهُمْ أنت يا ربي بمقتضى عفوك وسعة رحمتك عموم ذنوبهم وزلاتهم قد جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ وقت دعوتي إياهم فِي آذانِهِمْ اى هم سدوا مسامع قبولهم عن استماع دعوتي فكيف عن ان يجيبوا ويؤمنوا وَمع ذلك لم يقتصروا على مجرد السد بل اسْتَغْشَوْا اى قد غطوا ولفوا على رؤسهم ثِيابَهُمْ لئلا يروا صورتي ولا يسمعوا قولي ودعوتي من شدة كراهتهم لها ولسماعها ونهاية شكيمتهم وغيظهم على وَبالجملة هم قد أَصَرُّوا على ما هم عليه كانوا وَقد اسْتَكْبَرُوا على اسْتِكْباراً عظيما الى حيث شتموني شتما فظيعا وضربونى ضربا مؤلما فجيعا

ثُمَّ بعد ما جرى على منهم ما جرى من الزجر والشتم وانواع الطعن والقدح إِنِّي بمقتضى وحيك وأمرك إياي وحكمك على يا ربي قد كنت دَعَوْتُهُمْ جِهاراً على رؤس الملأ وعند الاشهاد

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وصرحت بدعوتهم في الملأ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ ايضا بالدعوة في الخلوات إِسْراراً على سبيل الكناية والرمز والإشارات وبالجملة قد دعوتهم مرة بعد مرة وكرة بعد كرة في المحافل والخلوات وبالصرائح والكنايات

فَقُلْتُ لهم في دعوتي إياهم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ الذي رباكم على فطرة الايمان وأظهركم قابلا لفيضان اليقين والعرفان وتوبوا اليه عن عموم ما صدر من الكفر والعصيان والكفران والطغيان إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يغفر لكم ذنوبكم ويعفو عن زلاتكم. وقد روى انهم بالغوا في الإصرار والإنكار الى حيث حبس الله عليهم القطر واعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فقال نوح عليه السلام استغفروا ربكم انه كان غفارا يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً بحكم الله وامره عليها بعد ما حبسها عليه زمانا طويلا بشؤم شرككم وكفركم

وَيُمْدِدْكُمْ سبحانه بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ بعد ما منعها عنكم سبحانه بكفركم وشرككم وَبعد ما انزل عليكم من السماء مدرارا يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وبساتين متنزهات وَيَجْعَلْ لَكُمْ ايضا في خلالها أَنْهاراً جاريات بمياه العلوم اللدنية وبالجملة

ما لَكُمْ وأى شيء عرض عليكم قد أغفلكم عن الله حيث لا تَرْجُونَ ولا تأملون لِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>