للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنواع النعم والكرامات هَبْ لِي ولدا صالحا مرضيا لك مقبولا عندك معدودا مِنَ عبادك الصَّالِحِينَ الموفقين من عندك على الصلاح والفوز بالفلاح وبعد ما تضرع نحونا راجيا من رحمتنا

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ هو إسماعيل عليه السلام حَلِيمٍ ذي حلم كامل وتصبر تام على متاعب العبودية وشدائد الاختبارات الإلهية ثم لما ولد له إسماعيل عليه السلام ورباه الى ان ترقى من مرتبة الطفولية وظهر منه الرشد الفطري والفطنة الجبلية الى ان بلغ سبع سنين او ثلاث عشرة وهي أول الحلم وعنفوان الشباب وبالجملة

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ للحوائج والمهمات المتعلقة لأمور المعاش وصار يذهب ويجئ مع ابنه الى الاحتطاب وسائر الاشغال وكان أبوه ينتصر به في الأمور ويستظهر وكان مشفقا له عطوفا عليه بحيث لا يفارقه أصلا من كمال عطفه ثم لما بالغ ابراهيم في عطف ولده وارتباط قلبه به مع انه متمكن في مقام الخلة مع ربه قد غار عليه سبحانه فاختبر خلته حتى رأى في المنام بإلقاء الله في متخيلته ان الله يأمره بذبح ولده إظهارا لكمال خلته واصطبار ولده على بلاء الله واظهار حلمه عند المصيبة فانتبه عن منامه هولا من رؤية الواقعة الهائلة فخيلها من أضغاث الأحلام فاستغفر ربه وتعوذ نحوه من الشيطان ثم نام فرأى ايضا كذلك ثم استيقظ كذلك خائفا مرعوبا ثم استغفر ونام فرأى ثالثا مثل ما رأى فتفطن بنور النبوة انه من الاختبارات الإلهية فأخذ في امتثال المأمور خائفا من غيرة الله وكمال حميته وجلاله يعنى كيف يطيق احد ان يتخذ محبوبا سواه ويختار خليلا غيره سيما من اختار الله لخلته واصطفاه لمحبته فأمر ابنه بان يأخذ الحبل والسكين ليذهبا الى شعب الجبل للاحتطاب كما هو عادتهما فذهبا وقد اشتعل في صدره نار المحبة والخلة الإلهية فشرع يظهر رؤياه لابنه ليختبره كيف هو قالَ يا بُنَيَّ ناداه وصغره تحننا عليه وتعطفا إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ بأمر الله إياي تقربا منى اليه سبحانه وهديا نحوه فَانْظُرْ أنت يا بنى وتأمل ماذا تَرى اى اىّ امر تفكر وتفتي في هذه الواقعة الهائلة أتصبر أنت على بلاء الله أم لا وبعد ما سمع من الرؤيا ما سمع قالَ معتصما بحبل التوفيق راضيا بما جرى عليه من قضاء الله مستسلما نحوه ومقبلا عليه مناديا لأبيه لينبئ عن كمال أطاعته وانقياده لحكم ربه يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ به من قبل الحق فاذبحنى في سبيل الله تقربا منك نحوه وطلبا لمرضاته ولا تلتفت الى لوازم الأبوة والنبوة وكن صابرا لبلاء الله بذبح ولدك بيدك باذنه سبحانه وفي سبيله سَتَجِدُنِي ايضا إِنْ شاءَ اللَّهُ وتعلق ارادته بان اصبر على بلائه الذي هو ذبح ابى إياي بيده مِنَ الصَّابِرِينَ المتمكنين على تحمل المصيبات الآتية من قبل الحق وبعد ما تشاورا وتقاولا فوضا الأمر اليه سبحانه وانقادا لحكمه ورضيا بقضائه طوعا ورغبة

فَلَمَّا أَسْلَما اى سلما واستسلما اى كل منهما سلم امره الى ربه ووصلا الموقف والمنحر توجه الخليل نحو الحق ناويا التقرب اليه سبحانه وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ اى صرع ابنه على شقه الأيمن امتثالا لأمر ربه مثل صرع الضحايا عند الذبح وشد بالحبل يده ورجله فأخذ الشفرة بيده فامرّها على حلق ابنه فلم تمض ولم تعمل فأخذ حجر المحد فأحدها ثم امرّها ولم تمض ايضا وهكذا فعل مرارا فلم تعمل شيئا فتحير عليه السلام في امره قال له ابنه حينئذ يا أبت أكبنى على وجهى فاذبحنى من القفا لئلا يمنعك من ذبحي رؤيتك وجهى ففعل كذلك فلم تمض

وَبعد ما قد جربناهما ووجدناهما على كمال التصبر والرضاء بما جرى عليهما من القضاء نادَيْناهُ من مقام عظيم جودنا إياه ولطفنا معه أَنْ يا إِبْراهِيمُ اى بان قلنا له مناديا يا ابراهيم المختص بخلتنا الراضي لمصيبتنا

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا وامتثلت بالمأمور ورضيت بذبح ولدك لرضانا واختبرناك

<<  <  ج: ص:  >  >>