للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصروا في عنادهم إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ على المؤمنين بك يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر ان أخلصوا في ايمانهم وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ على من تولى واستكبر وأصر على كفره ولم يؤمن وبعد ما قدح كفار مكة في شأن القرآن وقالوا هلا نزل بلغة العجم كالكتب السالفة مع انه لم يعهد منه سبحانه إنزال كتاب بلغة العرب قط رد الله عليهم قولهم هذا بقوله

وَلَوْ جَعَلْناهُ اى الذكر المنزل عليك يا أكمل الرسل قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا في شأنه من شدة بغضهم وشكيمتهم معك لَوْلا فُصِّلَتْ وهلا أوضحت وبينت آياتُهُ بلسان نفقهها وندكرها نحن مع انه انما انزل إليك وإلينا ونحن وأنت لا نفهم لغة العجم ثم يأخذون في القدح والاستهزاء بوجه آخر ويقولون على سبيل التعجب والاستبعاد أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ يعنى أينزل كلام اعجمى من قبل الحق على سبيل الوحى على بنى عربي لا شعور له بكلام العجم أصلا ليرشد العرب به ويبين لهم ما فيه كلا وحاشا ما هذا الا كذب مفترى وبالجملة لا يسكتون أولئك المعاندون عن القدح والطعن فيه بحال وبعد ما أوضح الحق حالهم في التعنت والعناد قال لحبيبه قُلْ يا أكمل الرسل كلاما خاليا عن وصمة المراء والجدال هُوَ اى القرآن لِلَّذِينَ آمَنُوا به وامتثلوا بأوامره واجتنبوا عن نواهيه وتنبهوا من رموزه وإشاراته واعتبروا من عبره وأمثاله وقصصه واخباره هُدىً يهديهم الى الحق الصريح ويوصلهم الى محض اليقين والتحقيق وَشِفاءٌ لما في النفوس المراض من الجهل والضلال وسائر الأمراض العضال الموروثة لهم من تقليدات آبائهم وتخمينات اوهام صناديدهم ورؤسائهم وَالمكابرون الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ به ولا يصدقون نزوله بل يكذبونه ويستهزؤن مع من انزل اليه هو بالنسبة إليهم فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ مستقر وصمم شديد يصمهم عن استماع آياته الدالة على تهذيب الظاهر والباطن بل وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى يعمى عيون أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحق الظاهر في الأنفس والآفاق وبالجملة أُولئِكَ البعداء عن ساحة عز الحضور يُنادَوْنَ الى مقصد التوحيد مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ بمراحل عن الوصول يعنى هم وان جبلوا على نشأة التوحيد صورة الا انهم قد احطوا أنفسهم عنها وألحقوها بالمراتب التي هي مرتبة البهايم بل صاروا انزل منها وابعد لذلك ينادون من مكان بعيد ان نودوا

وَبالجملة ان عاندوا معك يا أكمل الرسل واختلفوا في كتابك بالتصديق والتكذيب لا تبال بهم وبردهم وقبولهم فانا لَقَدْ آتَيْنا من كمال فضلنا وجودنا أخاك مُوسَى الكليم الْكِتابَ العظيم التورية المشتمل على ضبط ظواهر الاحكام وبواطنها حفظا لهم وضبطا لأمور معاشهم ومعادهم ومع ذلك فَاخْتُلِفَ فِيهِ وخولف في شأنه فقبله بعضهم ورده الآخر مثل ما يفعل هؤلاء الغواة مع كتابك هذا وبالجملة ليس هذه الديدنة ببدع من هؤلاء الجهلة بل هي من جملة العادات القديمة والشيم المستمرة وَبالجملة لَوْلا كَلِمَةٌ موعودة معهودة سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ من أخذ الظالم منهم على ظلمه في يوم الجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وحكم بأخذهم بمقتضى ظلمهم في يومهم هذا واستئصالهم بالكلية بلا امهال لهم لاستئصالهم واستحقاقهم بالأخذ والانتقام لكن قد ثبت حكمه سبحانه على ما قد وعد وقضى إذ ما يتبدل القول لديه وَإِنَّهُمْ من غاية تماديهم في الغفلة والاعراض عن الحق واقتداره على وجوه الانتقام لَفِي شَكٍّ عظيم مِنْهُ اى من قضاء الله وحكمه المبرم في يوم الجزاء مُرِيبٍ فيه ريبا منتهيا الى الإنكار والتكذيب وبالجملة لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبريبهم وانكارهم وطغيانهم فاعلم انه

مَنْ عَمِلَ من عبادنا عملا صالِحاً فَلِنَفْسِهِ اى صلاحه عائد الى

<<  <  ج: ص:  >  >>